هناك الكثير مِمَّن أصابتهم "الهلوسة الثقافية" بعد أن أصبَح المجال مفتوح للجميع بأن يَستَعرِض (مهاراته الثقافية) بمُجَرَّد أن يقرأ أو يكتُب كتاباً ليقع تحت تأثير الثقافة الهَشّة الزائفة والمُصطنعة.
ما أندَر الإنسان المثقَّف الذي يكون هو في كل حالاته دون تصنُّع.
بالأمس أعطاني أحد الشيبان وقد بلغ التسعين من عمره نصيحة قال: يا ولدي مرن نفسك على الجوع ..
ما أعرف ما سبب هذه النصيحة وما مغزاها ؟
قال إبراهيم بن أدهم:
"من ضبط بطنه ضبط دينه، ومن ملك جوعه ملك الأخلاق الصالحة، وإن معصية الله بعيده من الجائع قريبة من الشبعان"
ومن أكبر فوائد الجوع كسر شهوات المعاصي كلها، والاستيلاء على النفس الأمارة بالسوء، فإن منشأ المعاصي كلها الشهوات والقوى، ومادة القوى والشهوات لا محالة الأطعمة فتقليلها يضعف كل شهوة وقوة، وإنما السعادة كلها في أن يملك الرجل نفسه والشقاوة في أن تملكه نفسه، وكما أنك لا تملك الدابة الجموع إلا بضعف الجوع، فإذا شبعت قويت وشردت وجمحت فكذلك النفس.
ويروى عن لقمان أنه قال لابنه:
"إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة".
والبطن على التحقيق ينبوع الشهوات، ومنبت الأدواء والآفات، إذ يتبعها شهوة الفرج!، ثم تتبع شهوة الطعام والنكاح شدة الرغبة في الجاه والمال اللذان هما وسيلة إلى التوسع في المطعومات!
ثم يتبع استكثار المال والجاه وأنواع الرعونات وضروب المنافسات والمحاسدات!
وكل ذلك (ثمرة إهمال المعدة) وما يتولد منها من بطر الشبع والامتلاء.. ولو ذلل العبد نفسه بالجوع وضيق مجارى الشيطان لأذعنت لطاعة الله عز وجل ولم تسلك سبيل البطر والطغيان!
عن المقدام بن معد يكرب قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
((ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه)). (الترمذي وقال: حسن صحيح).