#فيلسوف الوجود
Explore tagged Tumblr posts
Text
تراودني أفكارٌ تلمع فيها بوارق من الحماس والبهجة، لكنها كأسراب طيور هاربة، تترك خلفها فضاءً خاويًا يملأني بالحسرة. الحياة، بوجهها الذي يتقن القسوة، لا تعكس لي إلا ملامح التعب والسأم، كأنها تتلذذ بتغريقي في دوامات من العلاقات والمشاكل التي تتوالى، كأمواج تبتلعني مرة تلو أخرى. أشعر أحيانًا كمن يحمل عبء الكون على كتفيه، مثقلاً بوزن لا يطاق، عاجزًا عن فك رموز هذه الارتباطات الإنسانية المتشابكة التي تلتف حولي كحبال غليظة من الحديد البارد.
أستمع إلى حديثهم، إلى ضحكاتهم المتصاعدة كأصداء جوفاء تتراقص في وادٍ موحش، يتحدثون عن نجاحاتهم، عن سعادتهم، وكأنهم يسكنون عالمًا موازيًا، بُعدًا لا تطاله يدي ولا تناله عيناي. أجدني غارقةً في دوامة لا تنتهي من التساؤلات عن مغزى هذا كله، كأنني أبحث عن ضوء في سراديب من الظلام الكثيف. أسترجع قول فيلسوف بأن الحياة ليست إلا نسيجًا معقدًا من العلاقات، لكنني أشعر وكأنني وحيدة على شاطئ بحيرة مظلمة، أطفو في بحر من الشكوك المتلاطمة والأفكار المتضاربة، تتقاذفني الأمواج دون شراع، ودون بوصلة.
لماذا يتعذر على عيني رؤية بصيص النور بين كل هذه الظلال الثقيلة التي تطوّقني؟ ولماذا تبدو مشاعري، رغم عذوبتها، كأنها في صراع دائم مع وجه الحياة الصلد؟ أجد نفسي بين الرغبة في الهروب إلى أفق بعيد يحملني إلى النقاء، وبين استسلام مؤقت لعذابات هذا الوجود.
وأنا هنا أكتب، ربما لأهدئ تلك العاصفة في داخلي، لأبحث عن مرفأ يضم كل تلك الشعب��ات، أو لأجد في سطور كلماتي هدوءًا يخفف من ضجيج هذا العالم الابن ستة وستين كلب.
9 notes
·
View notes
Text
“إنّ العظيم على العظيم صبور”. أبو الطيّب المتنبي
(ديوان المتنبي ص 72)
“ليس برديء أن نكون ما نحن، إنّما الرديء أن لا نكون ما نحن”. الكندي
(رسالة في الحيلة لدفع الأحزان، ص 28)
على سبيل التقديم:
إنّما غرضنا في هذا المقال تدبر مسألة الحزن والفرح عند أبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي (185 – 252 هـ / 801 – 866 م) الذي يعتبره بعض الدّارسين مُؤسّس الفلسفة العربيّة. بهذا المعنى، يكتسي النظر في الأبعاد الإشكاليّة لهكذا قضيّة أهميّة بالغة، باعتبارها من بين أبرز المباحث الإتيقيّة الخاصّة بالعقل الأخلاقي العربي، فضلا عن كونها تتنزل ضمن فضاء إبستيمي مداره سياسة النّفس وتدبيرها عند فيلسوف العرب، سعيا منه إلى: “رسم أقاويل تضاد الأحزان وتنبّه إلى عوراتها وتحصّن من الألم بملكها”[1]. وفي السيّاق عينه، يرى الكندي أنّ: “مثل نفسك الفاضلة وأخلاقك العادلة أنِفتْ من تملّك الرّذائل وطلبت التحصين من آلامها وجور أحكامها. وقد رسمت لكم بحسب ما رجوت أن يكون لك كافيا”[2].
إنّ تحصيل هذا الرّهان هو ما طالعنا به الكندي في مستوى رسالته الفلسفيّة الموسومة: “في الحيلة لدفع الأحزان” حيث استهلها فيلسوفنا الفذّ ببيان القصد من كتابة هذه الرّسالة وهو “تحصين النّفس من الألم”[3]. سيّما وأنّ “إصلاح النّفس وإشفاؤها من أسقامها أوجب شديدا علينا من إصلاح أجسامنا، فإنّا بأنفسنا نحن ما نحن لا بأجسامنا”[4]. وفي الأمر نظر لاحقا في القسم التّحليلي تدقيقا.
وعلى هذا الأساس، قمين بنا التنبيه إلى راهنيّة تلكم المسألة التي أثارها الكندي في رسالته الفلسفيّة المذكورة آنفا، بما يسوّغ لنا البحث في سُبل الإفادة العمليّة منها راهنا، عسانا ندفع جملة الأحزان والآلام التي نعيشها في كلّ لحظة وحين، جرّاء استفحال الشّر الأنطولوجي بلا هوادة، وتزايد أزمة المعنى والقيم زمن العولمة، و��ستشراء الصراعات والحروب، وتأبيد العنف اللّامشروع في واقعنا العطوب الذي يدعو إلى الغثيان على حدّ عبارة سارتر الشّهيرة. ولكن، ماذا لو اتّضح أيضا تضاعف مأساتنا كونيا نتيجة معضلة الجائحة الوبائيّة (الكورونا) وغيرها من الأوبئة الفتاكة والكوارث الطبيعيّة المختلفة. و”لأنّ كلّ ألم غير معروف الأسباب غير موجود الشفاء”[5]. فينبغي إذن في تقدير الكندي “أن نبيّن ما الحزن وأسبابه، لتكون أشفيته ظاهرة الوجود، سهلة الاستعمال”[6].
وحينئذ، فإنّ جملة الإشارات والتنبيهات الأوليّة التي ألمعنا إليها، تدعونا إلى التساؤل: ما المقصود بالحزن؟ وما هي أسبابه؟ فيم تتمثّل طبيعة الحيّل / الوصايا العقليّة والأخلاقيّة التي يشترطها الكندي دفعا للأحزان وتحصيلا للفرح والسّعادة؟ وأنّى لنا استثمارها (الحيّل/الوصايا) راهنا في واقعنا المأزوم؟
إنّ مطلوبنا في هذا المقال محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة بالاستناد أساسا إلى تصوّر فيلسوف العرب والاستئناس بمنهج تحليلي مقارن مفاده رصد مواقف الكندي ومقارنتها بمن أشكل عليهم أمر الحزن والفرح ونعني رأسا: مسكويه، أبو بكر الرّازي، دون نسيان كلّ من المدرسة الرواقيّة والأبيقورية … إلخ.
وسنعتمد في تحليل موضوع: الحزن والفرح، هل من حيلة لدفع الأحزان؟ من منظور الكندي على نظام البرهنة التّالي:
سنحاول في مرحلة أولى أن نتبيّن ماهيّة الحزن ونتتبّع مصادره الذاتيّة والموضوعيّة على نحو ما حدّدها فيلسوف العرب.
أمّا في مرحلة ثانية، قصدنا التعرّض بالدّرس والتحليل إلى إحصاء جملة الحيّل/الوصايا العقليّة والأخلاقيّة التي من شأنها أن تصرف عنّا الأحزان كما ذهب إلى ذلك الكندي في مستوى رسالته الفلسفيّة: “في الحيلة لدفع الأحزان” رأسا.
أمّا في مرحلة ثالثة ارتأينا تفصيل القول الممكن في سياقات العقل الأخلاقي ورهاناته عند الكندي، والذي ليندرج ضمن فضاء إشكالي مداره سياسة النّفس وتدبيرها، تحصيلا للسعادة وإتيقا الفرح المنشودين.
ومع ذلك، فإنّه يبقى من الضروري في نهاية هذا العمل البحث، فيما إذا كان ممكنا الإفادة راهنا من جملة الوصايا/الحيّل العقليّة والأخلاقيّة التي طرحها الكندي، دفعا لأحزاننا وآلامنا المتواترة في كلّ لحظة وحين.
في ماهيّة الحزن وأسبابه لدى الكندي
إذا ما عدنا في مستوى أوّل إلى: “القاموس المحيط” للفيروز آبادي، نقرأ ما يلي بخصوص مفهوم الحزن الذي يفيد “الهمّ ومنه الحزانة وهمّ العيال نتحزن لأمرهم والحزون، سوأة الخلق والحزن ما غلظ من الأرض، والتحزن أي التوجع”[7].
نستجلي من هذا التحديد أنّ الحزن قاموسا يُحمل على معنى: الهمّ والتوجع وسوء الخلق وغلظة الطبع والدّلالات عينها، لألفيناها حاضرة بشكل لافت في ما يُعرّف به الكندي الحزن الذي هو “ألم نفساني يعرض لفقد المحبوبات وفوت المطلوبات”[8]. نفس التعريف يستعيده مسكويه في رسا��ة: “تهذيب الأخلاق” معتبرا أنّ الحزن يلحق “من فقد ملكا أو طلب أمرا فلم يجده…[و] الحزن ليس بضروري ولا طبيعي”[9]. في هذا الحدّ رصد لماهيّة الحزن ولأسبابه في نفس الآن. ولما كانت غاية قول الفيلسوف هي البحث عن السّعادة فإنّه يبدأ بحد هذه الأخيرة حدا سلبيا وذلك بحد مقابلها إيجابا عملا على التمكن منه ومن أسبابه. وبهذه السبيل المعرفيّة نقدر على اقتلاع هذا المقابل اقتلاعا جذريا أن ندرك منذ البدء الغاية العمليّة للحكمة[10].
إنّ الحزن نقيض الفرح والبهجة والسّعادة، ذلك أنّ “الحزن والسرور ضدان لا يثبتان في النّفس معا: فإذا كان محزونا لم يكن مسرورا، وإذا كان مسرورا لم يكن محزونا”[11].
إنّ الألم في تقدير الكندي هو مبعث الحزن، والحزن هو وجه من وجوه التّعاسة التي يسعى كلّ عاقل إلى تجنّبها وطلب ضدّها وهي السّعادة. فـ “إذا كان الحزن إنّما [هو] من آلام النّفس”[12] فإنّ الألم هو “الوجع والعذاب الذي يبلغ إيجاعه غاية البلوغ”[13].
قمين بالإشارة إلى أنّ الحزن يُعزى في تقدير الكندي إلى مصادر متنوّعة منها، ما هو خارجي عن النفس، وهو لذو نمط اجتماعي سياسي يتلخص رأسا في المقتنيّات، من ممتلكات ورئاسة ومصادر للّذة… ونحو ذلك. وهو أيضا يُرد إلى ما يحصل عليه الآخرون دونه. ما يسترعي انتباهنا هاهنا غياب أسباب بيولوجيّة للحزن، الأمر الذي لسوف يُشدّد عليه مسكويه في المقالة السادسة من “تهذيب الأخلاق” حيث يكون بصدد وصف علاج أمراض النّفس[14].
يرى الكندي أنّ عالم الكون والفساد يُشكّل عائقا دون امتلاك جميع المطلوبات أو اكتساب جميع المحبوبات عنده، ومن هنا ألفيناه يقترح استبدال طلب هذه المقتنيّات داخل عالم عقلي تكون ميزته الثبات، وذلك إذا أردنا أن لا تنال الآفات مقتنياتنا ممّا لا يتوفر في المقتنيّات الحسيّة التي هي مُؤقتة ولا يؤتمن فسادها أو تبدلها. إنّ من أراد غير هذا أراد ما ليس في طبعه كإنسان ومن أراد ما ليس في الطبع فقد أراد ما ليس موجودا، وبالتّالي لن يحصل على مطلبه فيصيبه الشقاء بسبب ذلك، وهكذا فإنّ سبب الشقاء هو طلب الموقوتات. علينا إذن، أن لا نأسف “على ما ينصرف منها عنّا”[15].
يُردّ الحزن الشديد في تقدير الكندي أيضا إلى النّفس، بما يُسوّغ إصلاحها وذلك من ��لال تطهيرها من أدران المادّة بتغليب العقل على الشهوة والنزوات ودفع الآلام والأحزان. يقول الكندي: “وإذا كان الحزن إنّما من آلام النفس، وكان واجبا عندنا أن ندفع الآلام الجسدانيّة عنّا بالأدوية البشعة والكيّ والقطع والضمد والأزم: (القطع، أو الشد وإحكام الرّباط) وما أشبه ذلك من الأشيّاء المشفيّة للأبدان، وأن نحتمل في ذلك الكلفة العظيمة من الأموال لمن شفى من هذه العلل، وكان فضل مصلحة النفس وإشفائها من آلامها على مصلحة البدن وإشفائه من آلامه كفضل النفس على البدن”[16].
نتبيّن من هذا القول تأكيد الكندي على وجوب إصلاح النّفس بما هي أساس ماهيّة الإنسان وأفعاله. كما أبرز التقابل الذي يقوم عليه إصلاح النّفس أي اليُسر على المستوى المادّي من جهة بما هو إصلاح لا يتطلّب إنفاق مال ولا يعتمد وسائل علاجيّة مؤلمة، والعسر على المستوى الأخلاقي (المعنوي) من جهة ثانيّة، إذ يقتضي إصلاح النّفس مُغالبة الشهوات بقوّة الإرادة والمثابرة.
لعلّنا، لا نجانب الصّواب عندما نقول بالتقارب بين الكندي وسقراط في مستوى اعتبار أنّ غاية الفلسفة، إنّما هي التحكّم في الشهوات. وحسبنا دليلا عمّا نزعم ههنا، اتّفاق بعض الباحثين أنّ لسقراط حضورا قويا في فلسفة الكندي الأخلاقيّة، ويتمظهر هذا التلقي في رسالة الكندي: “في الحيلة لدفع الأحزان”. كما نتبيّن امتداداته أيضا من خلال الرّسائل التي الّفها الكندي عن فضيلة سقراط، وألفاظ سقراط، ومحاورة سقراط مع غيره، وخبر موت سقراط[17]. ولأمر كهذا، بمستطاعنا التأكيد على تنوّع يسم مصادر الكندي الخلقيّة، بدءا من سقراط والرواقيين وانتهاء بإفلوطين.
5 notes
·
View notes
Text
شهادات في حقّ الكاتب سعيد بودبوز
#حانة_الشعراء شهادات لأدباء عرب في حق الكاتب والناقد #سعيد_بودبوز #عبد_القادر_بن_عثمان
عبد القادر بن عثمان سعيد بودبوز شاعر وروائي ومترجم وناقد مغربي نباهة فكر ومفكّر بنكهة فيلسوف عميق الرؤى، فما أجمل أسلوبه، يذكّرني بدور الفلسفة في إنتاج الأفكار وإبداع المفاهيم بتبسيط الحياة من خلالها. كم أنني سعيد بصديق إبستيمي كسعيد.. وينحو فوكوياً بقوة المعرفة، ودولوزياً بجرأة الغموض الواضح في الرؤى، وتفكيك الملغّز منها. دمت نوعياً في طرح وحدة الفكرة والنظرة وميتاقشرة الوجود، صديقي الجميل…
0 notes
Text
جدلية التغيّر والثبات | مقارنة بين هيراقليطس وَ بارمينيدس | Heraclitus VS Parmenides
مقارنة سريعة ومُبسطة بين أفكار الفيلسوفين هيراقليطس وبارمينيدس ( Heraclitus VS Parmenides )... هيراقليطس فيلسوف الصيرورة واللوغوس والنار , وبارمينيدس فيلسوف الوجود الثابت والجامد.
⬇️⬇️⬇️
مقارنة بين هيراقليطس (الوجود الصائر) و بارمينيدس (الوجود الكائن).
نتناول في هذه الحلقة الأفكار الفلسفية الرئيسية التي تخص فلسفة هيراقليطس وفلسفة بارمينيدس، مع رأي أفلاطون وأرسطو ونيتشه في فلسفتهما وأفكارهما..
رابط الحلقة 👇🏻👇🏻
https://youtu.be/TivmpCoWzbE
youtube
_________
✅✅ روااااابط بقية الحلقات ✅✅ 👇🏻👇🏻👇🏻👇🏻
✅ حلقة ملخص تاريخ الفلسفة :👇
https://youtu.be/Fp4dJxELgqQ
✅ حلقة فلاسفة الطبيعة الأوائل (طاليس وآناكسيماندر وآناكسيمانس ) والجمعية الفيثاغورية: 👇
https://youtu.be/6Nt1dIUo7Ps
✅ حلقة الفيلسوف بارمينيدس والفيلسوف زينون الإيلي والفيلسوف كزينوفان: 👇
https://youtu.be/TWCYB-uUKd8
✅ حلقة الفيلسوف هيراقليطس (فيلسوف الصيرورة واللوغوس والنار + نيتشه العصور القديمة) : 👇
https://youtu.be/Mkg7YXKbrxQ
#تاريخ الفلسفة#هيراقليطس#بارمينيدس#فكر#فلسفة#الفلسفة اليونانية#الفلسفة للمبتدئين#الفلسفة#الفيلسوف هيراقليطس#الفيلسوف بارمينيدس#فلسفة هيراقليطس#فلسفة بارمينيدس#Youtube
0 notes
Text
(٦) المادةُ لا تنعدمُ
هكذا يقول علماء الكيمياء ويشرحون قولهم، ويبرهنون عليه، ويرون أن المادة تتغير وتتحول وتعود إلى عناصرها الأولى، ولكن لا تنعدم؛ والعالم كله كساقية جُحا، تغرف من البحر، وتصب في البحر؛ فقد يحترق هذا المكتب الذي أمامي، لا قدر الله، ولكنه لا ينعدم، بل يتحلل إلى عوامله الأولية، وسيتغذي منها النبات، ويتكون منها خشب جديد، قد يكون مكتب المستقبل.
قال الكيميائيون ذلك، وقصروا قولهم على المادة؛ لأنها مادة عملهم، وموضوع تجاربهم.
ولو عَرَض لهذا فيلسوف واسع النظر، غير محدد البحث، لقال: «لا شيء ينعدم».
إن الأعمال من خير وشر لا تنعدم، بل تنمو وتتحول، وتؤثر وتتأثر، ولكن على كل حال لا تنعدم. إن كذبة واحدة تكذبها على أولادك في بيتك — من غير أن تعيرها اهتمامًا — لا تنعدم، فسوف تبيض وتفرخ وتنتج كثيرًا من أمثالها، وسوف يكذب أولادك، وستخرج الكذبة من حجرتك إلى سائر بيتك، وستخرج من بيتك إلى المدرسة، وستخرج من المدرسة إلى مصالح الناس ومعاملتهم، فكيف تنعدم؟
قد يدق العمل ويصغر حتى لا تراه أعيننا، ولا تسمعه آذاننا، ولا تشعر به نفوسنا؛ ولكنه موجود، يعمل عمله في هذا الوجود، ويفعل وينفعل، ويتسع نطاقه، ويعمل في دوائر مختلفة قد لا تخطر بالبال؛ وما أظنك تجهل أن حصاة ترميها في البحر الأبيض المتوسط لا بد وأن يتأثر بها المحيط الأطلنطي، وإن لم تر ذلك عيوننا؛ والدليل على ذلك بديهي، فلو كبرت هذه الحصاة ملايين المرات، أفلا تؤمن بهذا الأثر؟ إذًا فآمن بأن هذه من تلك، وعلى نسبتها ومقدار حجمها. وجزء من ألف من الشعرة له ظل حقيقي، وإن لم تره عيوننا، ولولا ذلك لما كان لألف ألف شعرة ظل، ولما كان لثوبك الذي تلبسه ظل.
وعملك الخير مهما صغر، له أثره في أمتك مهما صغر، أعلنته أو أسررته، نجحت فيه أو فشلت، علم الناس أنك مصدره أو لم يعلموا؛ وهل مقياس رقي الأمة وانحطاطها إلا عبارة عن ع��لية حسابية مركبة من جمع وطرح، جمع لما صدر منها من حسنات، وطرح لما صدر من سيئات؟ لتكن هذه العملية أشد ما تكون من صعوبة، ولتحتج إلى ما شئت من آلات دقيقة للجمع والطرح، فإن طريقة الحل لهذه المسألة في منتهى البداهة.
وليس الأمر مقصورًا على الأعمال؛ فإذا قلنا: «الأعمال لا تنعدم» فهو تكرير لقول الطبيعيين «المادة لا تنعدم»، وهل الأعمال إلا نوع من المادة؟
بل الأفكار والآراء من هذا القبيل، فالفكرة لا تنعدم، والرأي لا ينعدم؛ فإذا دعوت إلى فكرة، أو جهرت برأي، فقد أخرجت إلى الوجود خلقًا جديدًا ينطبق عليه القانون العام؛ قد ينجح الرأي وتعتنقه الأمة، بل يعتنقه العالم، وتظهر آثاره في أعمال الناس وحياتهم ونظامهم فتسلم معي بأنه لم ينعدم ولكنه قد يفشل؛ وقد يستعمل الناس في اضطهاده وحربه كل أنواع الأسلحة المشروعة وغير المشروعة، والرفيعة والوضعية، حتى يختفي ولا يظهر في الوجود، فتظن إذ ذاك أنه انعدم، وهو ظن غير موفق؛ فقد يخفى ليعود إن كان صالحًا، وقد يحدث قبل أوانه، فيستتر وينكمش، ويبقى حيًّا يتغذى في الخفاء، وتنميه الأحداث، حتى إذا تم نموه، وتهيأ الناس له، برز إلى العيون ثانية أو ثالثة، وهو أصبر على مقاومة الحرب، وأقوى على مصارعة الباطل، حتى يكتب له النجاح — وحتى إذا كان الرأي فاسدًا سيئًا لا يصلح لحال ولا لمستقبل فليس مما ينعدم، إنما هو يتحول ويتحور، كلوح خشب لا يصلح بحالته أن يكون شُباكًا فينجر، أو لوح زجاج ليس بالحجم الذي تريده فيصغر، أو حديدة لا ينساب شكلها وحجمها فتوضع في قالب جديد بعد أن تصهر؛ وهكذا في الرأي يغير ويعدل، ويطعم بآراء أخرى حتى يخرج خَلقًا آخر، ولكنه في كل ذلك لا ينعدم. وفرق كبير بين أن نقول: فشل الرأي وفشل المشروع، وأن تقول: انعدم الرأي وانعدم المشروع. فالفاشل موجود والمعدوم معدوم، وشتان بين الموجود والمعدوم. فالرأي الفاشل أو المشروع الفاشل شيء حي قد تلقى درسًا من الفشل ليصبح بعدُ رأيًا قويمًا ومشروعًا ناجحًا، وهذا لا ينطبق على المعدوم.
بل أذهب إلى أبعد من ذلك، وأرى أن العارض يمر على النفس، أو الخاطر يخطر بالذهن، لا يضيع ولا يذهب سدى ولا ينعدم، وإنما هو دخان قد يكون بعدُ سديما، ثم قد يكون السديم كوكبًا يلمع أو نجما يتألق، وقد يكون على العكس من ذلك صاعقة تحرق، أو وميضًا خلبًا يبرق؛ وعلى الحالين فسيكون مولودًا جديدًا، شقيًّا أو سعيدًا. أليس كثير مما يعترينا — من حزن يسبب الكسل والخمول والَملَل، أو فرح يدعو إلى العمل — سببه طائف مجهول طاف بالنفس، وخطرة متنكرة خطرت لها، فغيرت حالها وكيَّفتها تكييفا خاصًّا ��ي هذا الوجود؟ أوليس كثير من الآراء التي أسبغت على هذا العالم نعمًا، وكثير من المشروعات التي عم الناس خيرها وشرها، بدأت خطرة ثم كانت فكرة، ثم أصبحت بعدُ عملًا؟ أليس مما يكون الإنسان خطراته، فهو خير أو شرير بخطراته، وهو بائس أو منعم بخطراته؟ ولو كشف عنا الحجاب لقرأنا في صفحات الإنسان خطًّا عميقًا خطته في نفس الإنسان خطراته وآراؤه، وهو أدل على الإنسان من مظاهره الكاذبة، ومناظره الخارجية الخادعة.
وعلى الجملة فإن قال علماء الكيمياء: إن المادة لا تنعدم، فكل ما في الوجود يقرر أن «لا شيء ينعدم». إن كان هذا حقًّا فويل للخير يقصده عن الخير أنه لم ير بعينه آثار عمله، وويل للخير صرفه عن خيره نكران الجميل وجحد المعروف، وويل للمجد عدل به عن جده أن لم يسبح الناس باسمه، ويشيدوا بذكره، ومرحى لمن كان مبدؤه «الخير للخير، ولا شيء ينعدم».
0 notes
Photo
💥#التحذير من المدعو محمد راتب النابلسي الإخونجي المبتدع الضال ⛔🚫 💥محمد بن راتب النابلسيّ الصوفي الخرف الأخو//اني الأ//شعرى 🔥 👈 " النابلسي كان اماما وخطيبا لجامع عبد الغني النابلسي في سوريا الذي يضم قبر جدّه داخل المسجد⛔ .....!!! 👈 النابلسي يعتبر خليط بين إخو//اني وصو//في .....وقد//ري ومعتز//لي ......!! 💥 والنابلسي اليوم أصبح علماً في عالم الإعلام والفن " فنراه عبر الفضائيات الإسلامية 👏 يصفق له👌 ويمدح 👂 ويُستمع لكلامه على أساس أنه عالمٌ فقيه مفسر لآيات الله ....!! 👈 وحقيقته أنه فيلسوف في علم الصو//فية 👈 والإشراق الاشراكي 👈 ومن شيوخ البد//ع والضلا//لات العقدية و المنهجية . 👈 اليكم بعض طوامه : 👇 👈 ا لنابلسي قبل الأحداث السورية كان يحتفل ببدعة المولد النبوي بحضور بشار الأسد و نجاد ويتوسل ببطولة الشابات ......!! 💥 👈 النابلسي يقيم الندوات مع الصلابي والعريفي وسلمان العودة وعائض القرني وعمرو خالد وغيرهم من أئمة الضلال 👈 النابلسي يسير على خطى المعتزلة ويرد ........أحاديث ......الأحاد ...... ..في الاعتقاد . 💥 👈 النابلسي يدعو الى أخوة ..الأديان ....وحرية ...الأديان ...ووحدة....الأديان..!!💥 👈 النابلسي يحرف معنى الإستواء والعرش ويقول ...بالتفويض والتأويل و يسير على منهج الأشاعرة💥 👈 النابلسي يقول بأن لله سبحانه أسماء شريفة وأسماء .........أشرف من أسماء 💥 👈 النابلسي يقول لفظ الجلالة [ الله ].. كلما حذفت منه حرفاً الباقي اسم من أسماء الله 💥 👈 النابلسي يزعم ان العقل يعتبر كافياً لمعرفة الله 💥 علي طريقة أهل الكلام فى تقديم العقل على النقل 👈 النابلسي يقول : لا يجوز الرد على أهل البد//ع بل يجب الإجتماع فيما اتفقنا فيه و يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه .....!!💥 👈 على طريقة الإخو//ان المسلمين " , وقاعدة المعذرة والتعاون باطلة بإجماع أهل العلم . 👈 النابلسي يؤمن بعقيدة محي الدين ابن عربي والتي هي عقيدة ( وحدة الوجود ) التي تعني كل ما في الوجود هو الله . حتى الجيف والكلاب ...!!💥 👈 النابلسي كان يتملق لإير//ان ويمدح تصديرها الثورة الخمينية ...!!💥 👈 أيها القارئ الكريم : 👈 لا تنبهر بما قرأت وهو غيضٌ من فيض من ضلالات النابلسي . 👈 وهذه فقط رؤوس أقلام من بحر من الكفر والشرك بالله 👈 والتحريف لكتاب الله وسنة رسوله وتفسيره لهما 👈 التى وقع فيها هذا الأفاق و مدعي العلم . 👈 وهي ثابتة بصوته وفي موسوعته التي يسميها 👈 موسوعة النابلسي الإسلامية . 👈 وقد رد كبار العلماء عليه هو وأمثاله . ونحن المسلمين أتباع سلف الأمة، نثبت لله ما أثبت https://www.instagram.com/p/Cm7BYDKLAX4/?igshid=NGJjMDIxMWI=
0 notes
Text
مشكلة الصوفي الأكبر هي ذاته والعلاقة بينه وبين خالقه وبين العالم، وعشان يحلوا المشكلة دي المتصوفة بيقولولنا إن عشان تلاقي نفسك لازم متكونش نفسك، لازم تطلع براها وتتبرأ منها.
بيسموا العملية دي بالتجرد، أو بلفظ قرآني أقرب وهو خلع النعلين، انتسابًا لقول الله لموسى: فاخلع نعليك إنك بالوادِ المقدس طوى.
والنعلين هنا رمز للنفس والجسد، في إشارة إن السائر لربه لكي يصل يجب عليه أن يتجرد من متطلبات النفس والجسد.
وهنا بنشوف فرق من الفروق البسيطة بين التصوف الاسلامي والتصوف البوذي، فبوذا عشان يشرح لتلاميذه ازاي يدرسوا النهر بيقولهم اولا عليكم ان تكونوا انتم النهر، يعني عشان تفهموا الشى لازم تكونوا الشئ نفسه، لكن في التصوف عشان تفهم الشئ لازم تتجرد منه، وعشان كده بنشوف دعاء المتصوفة الشهير:
ربي خذني إليك مني وارزقني الفناء عني، ولا تجعلني محجوبًا بنفسي مفتونًا بحسي.
والتجرد لما بيتم بيوصل المتصوف لمرحلة الفناء أو كما يسميها الهندوس "النيرفانا" وهي أعلى حالات الخشوع عندنا والتأمل عندهم. عندهم مفيش بعدها شئ، عند المتصوفة بعدها مرحلة الحضور، والمرحلة دي بالذات هي اللي خلقت الصراع بين اهل السنة وبين المتصوفة (مع إن المتصوفة اصلا من أهل السنة)
والحضور عند المتصوفة هو أعلى حالات الخشوع، بيقولوا العبد بيوصل لمرحلة إنه ميبقاش بين روحه وبين الله حجاب، وده سبب كل اشعار الصوفية عن النشوة والعشق والصبابة، وقصدهم إن كل ده بيحسوا بيه بسبب القرب من ربنا.
وهوب وسط كل الجماليات دي ده علينا الحلاج عشان ينشد ابياته الشهيرة:
مزجت روحك في روحي كما تمزج الخمرة بالماء الزلال
فإذا مسّك شـي مسـني فإذا أنت أنا في كل حال
وهنا قرر السلطان العباسي حبسه وبعدها بكام سنة اصدر عليه الحكم بالإعدام، لان من وجهة نظره ونظر العلماء اللي حواليه، كده الحلاج كفر وادعى الاولوهية في اكتر من موضع، اشهرها قوله "أنا الحق" .. بالرغم من ان بعض المتصوفة بيدافعوا عنه ويقولوا يا جماعة ده مش ادعاء اولوهية ده إحلال.
والاحلال -عند بعص المتصوفة- شبه وحدة الوجود الهندية عند الهندوس كده، بتقول إن بعد ما المتصوف يتجرد من ذاته ويوصل للحضور، مبيبقاش فيه حاجة اسمها أنا، اناه بتموت، وبيتبقى الذات الإلهية وبس، فالحلاج مكنش بيتكلم عن نفسه، ده كان بيتكلم عن ربنا.
وبيستشهدوا بالحديث القدسي اللي بيقول: وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به....
هتقولي بس دي رمزية، هقولك لو قصدك على كلام الحلاج فآه ده اللي الصوفيين بيقولوه، لكن لو قصدك على الحديث ف فرمل الله يكرمك، عشان حوار الرمزية في النصوص ده عمل فتنة بين اهل السنة والمعتزلة اسمها محنة خلق القرآن ايام العباسيين، ومات فيها آلاف العلماء غير اللي اتسجن واتعذب منهم احمد بن حنبل بجلالة قدره .. فبلاش تغويط في الحاجات دي.
المهم كلام الصوفية عن رمزية الحلاج مكلش مع العباسيين ساعتها ولا لحد دلوقتي، لكن معظم المتصوفين مؤمنين ببراءة الحلاج لدرجة إن حافظ الشيرازي كان بيقول: أُعدم الحلاجُ لـ"كشفِه الأسرارَ".
والأسرار عند الصوفية حكاية لوحدها، فبنشوف مثلا الرومي وهو بيقول: عليك أن تعي بعض حاجات ولكن لا تبح، واسكن.
يعني غلطة الحلاج الحقيقة عندهم مش إنه كفر ولا لأ، لكن إنه باح واتكلم عن اللي مكنش المفروض يتكلم عنه وكشف السر، عشان كده بنشوف في كتب الصوفية القديمة لما يتكلموا عن حد من مشايخهم بدل ما يقولوا الله يرحمه بيقولوا قدس الله سره.
وطبعاً إحنا اقل من إننا ندخل الصراع ده ونحاول نحكم الحلاج أخطأ ولا كفر والكلام ده، من وجهة نظري شايفه مش موضوع مهم اوي عشان نفتح فيه النقاش كل شوية زي ما السلفيين بيعملوا كل ما تيجي سيرة التصوف.
لكن الاهم بالنسبالي هي فكرة فناء الذات دي، واللي بتتجاوز الذات بعد شوية وتدخل على الوجود نفسه، فهنلاقي عبد الكريم الجيلي فيلسوف الصوفية بيقول إن الوجود أصلا مش حقيقي، ده خيال مستعار من وجود الإله نفسه وملوش كينونة!
الخلاصة، التاريخ الإسلامي مليان فتن وأحداث غامضة متعرفش بدأت ازاي وانتهت ازاي، بس الاكيد ان جذورها كلها مكنتش ليها علاقة بالدين قد ما ليها علاقة بالسياسة وصراعات الحكم.
فاوعى تعمل عقلك بعقل استاذنا نجيب محفوظ في روايته رحلة ابن فطومة وتخلط بين الدين والمتدين وتعاملهم كحاجة واحدة، ولا تخلط بين الدين والسلطان اللي عامل نفسه بيمثل الدين (من أول الامويين والعباسيين لحد العثمانيين)، لإن 99% من السلاطين دول مكنش ليهم أي علاقة بالدين من اساسه.
وكذلك المتصوفين برده عمرهم ما كانت علاقتهم بمعاصيرهم كويسة، بس برده ده مش لاسباب دينية قد ما كانت لأسباب سياسية، لكن بالرغم من كل ده يظل التصوف الإسلامي من الفروع المليانة درر وحكم وألماظات مش هنلاقيها في اي فرع تاني مهما دورنا.
26 notes
·
View notes
Text
أفلوطين: كيف أثرت نظرية الفيض الإلهي على الديانات التوحيدية؟
يكاد يكون من المؤكد أن السفسطائيين لم يفكروا في أنفسهم على أنهم يعلمون طلابهم كيفية جعل الأكاذيب تبدو وكأنها الحقيقة. بدلاً من ذلك، أدركوا ببساطة حقيقة أن الحقيقة في الغالب ما تكون مسألة تفسير ومن الممكن لخطيب ماهر أن يقدم حجة تبدو مقنعة لأي موقف تقريباً.
أفلوطين هو فيلسوف يوناني ولد بمصر، تأثر بفكر أفلاطون بعد أن درس جميع محاوراته. ولهذا السبب أسس مدرسة الفكر المعروفة باسم “الأفلاطونية الجديدة“. كما أثر مفهوم أفلوطين للعقل الإلهي ونظرية الفيض الإلهي والغرض من الوجود البشري تأثيراً هائلاً على الديانات التوحيدية الثلاثة في العالم. في هذا المقال نخوض معاً رحلة شيقة للتعرف على فلسفة أفلوطين. (more…)
View On WordPress
2 notes
·
View notes
Text
لماذا كل هذا الاختباء ؟ لا اصدق انه الخجل ؟!! ...
لماذا لا تكلمني الا من وراء قناع فيلسوف و بضغ كلمات؟ .
انا لا اراك جسدا ، انا ارك توام روحي ، و اشعر بك و من بين الاف الحضور ، اني ارك تطل بعينيك بشغفك الشديد. لماذا التردد؟ . لماذا كل هذه القيود؟ قل احب قل لا احب قل اريد قل لا اريد قل كل ما تريد . لك الخيار لك القرار لك كل ما تريد . فقط لا تبقى مسمارا مدقوقا في الاعصاب و الوريد. لقد تحررت يكفي انا لا اريد من الخيبات مزيد. تعرف اني سماوية المنشا احلق داءما في البعيد. قيودك الارضية خنقتني قتلتني سنوات طوال من التعذيب. لقد تحررت يكفي انا لا اريد من الخيبات مزيد. ساعود الى اهلي ، الى رفاقي الى وطني. و اشرقني شمسا تضيء كل الدروب. حبك الارضي الجسدي يبلى و يفنيه الوجود . اما حبي سماوي يشرق دوما لا يغيب. انه حب الروح و الروح من امر ربي.
13 notes
·
View notes
Text
أين ينتهي الحيوان . ويبدأ الإنسان ؟ #فريدرك_نيتشه
أين ينتهي الحيوان . ويبدأ الإنسان
يشعر الناس الأكثر عاطفة على مدى الأزمنة بعطف تجاه الحيوانات ، لأنها تعاني من الحياة و مع ذلك لا تمتلك القدرة على توجيه شوكة المعاناة نحو نفسها و تفهم وجودها ميتافيزيقياً ، في الواقع أنه أمر مُثبط بعمق للهمة ! أن نرى هذه المعاناة التي لا معنى لها .
و لهذا ظهرت في أماكن عديدة من الارض فرضية تقول : إنّ أرواح البشر المثقلة بالإثم تسكُن في أجساد هذه الحيوانات ، بحيث تكتسب هذه المعاناة الخرقاء التي تثير من أول نظرة الحفيظة معنى و أهمية كعقاب و كفارة أمام العدل الإلهي
. إنه حقاً عقاب شديد أن تعيش كحيوان على هذا النحو محكوماً
بالجوع و الشهوة ولا تكون قادراً على أي نوع من التفكير بطبيعة الحياة
. لا يمكن تصور مصيراً أصعب من مصير الحيوان البري الذي تطارده خلال البرية أقصى العذابات المضنية ، و إذا ماشبع في النادر فإن نفس هذا الشبع سيتحول إلى ألم في الصراع القاتل مع حيوانات أخرى أو من خلال الشره المفرط و التخمة المقرفة
أن تكون حيواناً هو أن تتشبث بالحياة بصورة مجنونة و عمياء من أجل الحياة فحسب
دون أيّة فكرة عن أن المرء يُعاقب ، و لماذا يُعاقب و أن يتوق بغباء الشهوة المرعبة إلى هذا العقاب كما لو أنه كان السعادة بذاتها ، مع ذلك علينا أن نتأمل
! أين ينتهي الحيوان ، و أين يبدأ الإنسان ؟ طالما يتوق الإنسان إلى الحياة كما يتوق إلى السعادة فإنه لا يزال لم يرفع عينيه إلى أعلى من أُفق الحيوان لأن الإنسان يتوق بوعي أكبر فحسب الى مايسعى اليه الحيوان بغريزته العمياء و هذا هو مانفعله جميعنا في الجزء الأعظم من حياتنا
. لا نتحرر عادةً من البهيمية فنحن انفسنا هذه الحيوانات التي يبدو ان حياتها تتكون من عذاب لا معنى له
. لكن هناك لحظات حينما نفهم هذا فتتفرق الغيوم و
نرى أننا و بالأشتراك مع كل الطبيعة نندفع قُدماً نحو الإنسان مثلما نحو شيء موجود أعلى منا
. في مثل هذا الصفاء المباغت نحدق حولنا و خلفنا مرتعبين
! ثمة حيوانات برية رشيقة تمشي هناك و نحن وسطها .. نشاط البشر الضخم في صحراء الأرض الكبيرة ، تأسيسهم للمدن و الدول ، الحروب التي شنوها ، تجمعهم و تفرقهم ثانية ، اندماجهم المشوش ، التقليد المتبادل ، أعمالهم الوحشية و خدعهم المتبادلة ، احتجاجاتهم ، صرخاتهم من الفرح في ساعات الإنتصار . كل هذا هو استمرار للبهيمية
! كما لو أن الإنسان سيجبر للعودة عمداً إلى مرحلة مبكرة من تطوره و يخضع لنزعته الميتافيزيقية
.. في اللحظات المنفردة نعرف جميعنا كيف أن أغلب الترتيبات المتقنة في حياتنا قد أُعدت فحسب لكي نهرب من واجباتنا التي علينا إنجازها حقاً
! كيف أننا نُفضل إخفاء وجوهنا في مكان ما .. بحيث لا يتمكن ضميرنا ذو المئة عين من العثور علينا
.. و كيف نستعجل لكي نمنح حبنا لجمع الثروة ، إلى الحياة الأجتماعية او العلم ، كيف نشتغل في عملنا اليومي بحماس طائش أكثر م��ا هو ضروري للحفاظ على حياتنا ، لأننا نجد هذا أكثر ضرورة من عدم الحصول على تفرغ لـ لّم افكارنا . الاستعجال موجود في كل مكان لأن الجميع في هروب من انفسهم
! و يجد المرء في كل مكان هذا السعي المخيف لإخفاء هذا الاستعجال ، لأن كل فرد يريد أن يبدو راضياً و أن لا يسمح للمراقبين الدهاة أن يلاحظوا بؤسه ، و يواجه المرء في كل مكان الحاجة إلى قلائد كلمات رنانة جديدة يعلقها في الحياة بحيث يمكن أن تمنحها نفحةٌ احتفالية صاخبة
! الجميع يعرف هذا الوضع الغريب الذي تضغط فيه ال��كريات المكدرة فجأة ! و كيف نبذل جهوداً كبيرة عن طريق الصخب و الإيماءات لطردها من عقولنا . لكن صخب و ايماءات الحياة العادية تكشف أننا جميعاً نجد انفسنا بإستمرار في مثل هذا الوضع و أننا نعيش في خوف من الذكرى و من الاحساس الداخلي . لكن ماهذا الذي يقلقنا مراراً ؟ أيّ باعوض هذا الذي يمنعنا من النوم ؟ ثمة أرواح تحيط بنا كل لحظة من الحياة تريد أن تقول لنا شيئاً لكننا لا نريد الإصغاء إلى أصوات الروح
! عندما نكون وحيدين و هادئين نصبح خائفين من أن شيئاً ما سيهمس في آذاننا
و لهذا نكره السكينة و نُخدر انفسنا بالصحبة
. وا أسفاه أيتها الآذان الصماء
.. أيها الرأس البليد .. أيها العقل المضطرب .. أيها القلب المنكمش .. آه لكل الأشياء التي اسميها اشيائي
.. كم اكره هذا ...
أن لا تكون قادراً على الطيران بل تخفق بجناحين فقط ! أن ترى ماهو أعلى منك دون أن تكون قادراً على الوصول اليه ! أن تعرف الطريق الذي يفضي إلى أفق الفيلسوف المفتوح بلا حد . و تكاد ان تصل اليه لكن بعد بضع خطوات ترتد ثانية ! و حتى لو تحققت الأمنية الكبيرة ليوم واحد فقط فكم يرغب المرء مبادلتها بفرحة ببقية الحياة . أن تتسلق عالياً في هواء الألب الصقيعي النقي أعلى مما فعلها أي فيلسوف سابقاً . حيث لم يعد شيء يخفيه الغيم أو الضباب و حيث بنية الاشياء الأساسية تتحدث بصوت عنيف و قاسِ ، لكنه مفهوم بصورة قاطعة مجرد التفكير بهذا يجعل الروح وحيدة و أبدية لكن إذا تحققت امنيتها إذا سقطت نظرتها مباشرة ولامعه كحزمة ضوء على الاشياء فسيتلاشى العار ، و القلق ، و الشهوة
. بأيّة كلمات سيصف المرء وضع الروح هذا
.. هذه العاطفة الجديدة الغامضة دون تهيّج التي ستغدو بواسطتها مثلما روح شوبنهاور .. منتشره على هيروغلافيا الوجود الهائلة و على عقيدة النشوء المتحجرة ليس كالليل بل كضوء الفجر الملتهب الذي يغمر كل الأرض .
من كتاب: شوبنهاور مربيًا - للفيلسوف الألماني
#فريدريك_نيتشه.
2 notes
·
View notes
Text
أنحرفت الفلسفة مع أفلاطون وارسطو من أسئلة الوجود الكبرى الى الموجود وماهيتة.
ومن آثار هذا الإنحراف هو إختزال هيرقليطس بوصفة فيلسوف
الصيرورة (افلاطون) أو كفيسلوف النار "النار أصل الوجود" (ارسطو)
ونسى التاريخ هيرقليطس كفيلسوف اللوغوس
لكن ما اللوغوس وهل إهتم هيرقليطس بأصل الوجود؟
يعود جذر كلمة اللوغوس في اللغة اليونانية إلى ليغين وتعني (جمع، قطف، إختار)
ولم يكن إعتباطاً ان تحمل معها ٣ معاني مختلفه حتى يختار هايدغر من الجذر كلمة" جمع" ويحيد عن باقي الكلمات
فدلالة ليغين ولوغوس أقرب إلى الفعل العقلي منه للفعل الشفهي "الكلام"
فكلمة اللوغوس التي يُحصر معناها غالبا على العقل أو الكلمة، أتت بخمس معاني في شذرات هيرقليطس (الكلمة والعقل والقانون والكوسموس والإله)
أما في قصيدة بارمنيدس كان معناها (الجدل والكلام الصادق)
أما مدى إهتمام هرقليطس بأصل الوجود، فاللوغوس يبين لنا بإنه أهتم بالقانون الناظم للوجود ليس أصله الإسطقسي فقط ��طاليس وإنكسيمينس والخ.
19 notes
·
View notes
Text
فلسفة الوجود عند (مارتن هيدجر)
فلسفة الوجود عند (مارتن هيدجر)
ذوات – نزهة صادق برز اسمه في سماء الفلسفة المعاصرة عموماً والفلسفة الوجودية خصوصاً، حيث أسس المذهب الوجودي وجعله من أكبر المذاهب الفلسفية المعاصرة، وضع مجموعة من الأطروحات والمفاهيم التي عرفت بها الفلسفة الوجودية بمختلف تياراتها، إنه مارتن هيدجر الفيلسوف الذي أقام البنيان العام لل��ذهب الوجودي، والقطب الذي بحث عن مفهوم الوجود من خلال إعادة تأسيس الميتافيزيقيا، ليكشف عن فلسفة الوجود، وليبحث عن…
View On WordPress
0 notes
Text
الآن يا نجمي تغيب ,ولم يحن وقت الأفول ؟
الآن والليل الجميل يريق ضوءك في الحقول ؟
والزهر , تحت الليل , نشوان بمشرقك ؟
والنهر , والشطآن تضحك تحت أشجار النخيل
الآن تغرب ؟ يا لمأساة الجمال الذابل
يا نجمي المأسور في كفّ الضباب الشامل
يا فيلسوف الليل , يا سرّ الوجود الذاهل
عبثا أناشيدي إلى أضواء نجم آفل
عبثا سهرت الليل ارنو والتفجّع غالي
أتزوّد النظر الأخير إلى ضياك الشاحب
وأصوغ ألحان الرثاء على صباك الذاهب
وأحوك من دمعي الضياء لكلّ نجم غارب
رحماك يا نجمي الجميل متى نهاية ليلتي ؟
ومتى ستنقشع الغيوم وتستريح كآبتي ؟
قد شاق قلبي أن أحسّ الصمت تحت خميلتي
وتجوب عيناي الفضاء وفي يدي قيثارتي
ما زلت أنتظر السكون وليس غير صدى المطر
والريح في سمع المساء تئنّ ما بين الشجر
لا طير يمرح في الحقول ولا أريج ولا زهر
لا شىء غير صراخ رعد هاتف بأسى البشر
ومن الظلام تصاعدت آهات قمريّ الغصون
ذهبت بمكمنه الرّياح وعزّه المأوى الحنون
حيران , مرتعش الجناح , مجرح تحت الدجون
رحماك يا ربّ العواصف , حسبنا المطر الهتون
أين الفضاء الحلو , أين الصحو ؟ أين سنا النجوم ؟
من جمّع المطر الكئيب , وبثّ في الليل الغيوم ؟
يا ريح رفقا بي ورفقا بالعرائش والكروم
رفقا بقمري المروج فقد أمضّته الهموم
قد كان في قلبي أمان يا رياح فخنتها
قد كان في هذا المساء مفاتن فمحوتها
قد كان في المرج الجميل عرائش أذبلتها
قد كان في ثبج السماء كواكب أطفأتها
وبقيت , في الليل الكئيب , أصيخ للمطر الكئيب
وعلى فمي اللحن الغريب , يصوغه قلبي الغريب
وتلوح لي خلل النوافذ ظلمة الليل الرهيب
عبثا أغذّي موقدي فالآن ينطفىء اللهيب
قد حطّم الإعصار نافذتيّ وانطفأ الضياء
والآن لا أضواء حولي غير إبراق السماء
يا ضجّة الإعصار في الآفاق , يا مطر المساء
الآن ألتمس الرقاد إلى غد فإلى اللقاء
مما راق لي
2 notes
·
View notes
Text
كل إنسان فيه فيلسوف منذ أن عرَف المنطق، منذ أن وعى وأصبح له عقل يفكر به -فالطفل لا يفكر رغم امتلاك هذا العضو المسمى؛ بـ المخ . ولكن نمو هذا الوعي بدأ من سؤال: لماذا ؟..، لماذا نوجد؟ لأي غرض؟ وما الهدف وما الغاية من الحياة؟ هي بداية وولادة ذلك الفيلسوف في كل إنسان لك أن تُحجِّمه، أن تتجاهله، لك أن تُعرض عن الحوار مع هذا الفيلسوف ولكن لابد أن عرَض عليك أحد هذه الأسئلة. لماذا نوجد؟ -وأيًا كانت الإجابة لهذا السؤال- تسأل؛ لماذا نحتاج أن نفعل ذاك الأمر؟! هذه الفلسفة اللامتناهية هي غريزة عند كل إنسان، يمكن لك التجاهل عند الاقتناع بفلسفة ما ولكن، هذا كل ما في الأمر. كل ما قدمته البشرية لبعضها البعض، جيل بعد جيل، هي فلسفات موروثة، اعتقادات يملكها البعض ويقدمها لمن يليه، ويأخذها البعض ويتجاهلها الآخرون.. أنا أتحدث عنك أنت.. عن الفيلسوف الذي بداخلك..! ذاك الذي يسأل: لماذا الأمر كما هو؟ أو لماذا يعتقد البشر أنه كما يدّعون أنه عليه؟! هذا التساؤل بحد ذاته بالنسبة لي كافي. لا شك أن الفلاسفة والمهتمين بعلم الفلسفة -إن كان علمًا على أي حال- يبحثون دائ��ًا عن الإجابة ولا يتوقفون عن التساؤل، ولكن في الحقيقة، ما يهم هو أن تسأل ال��ؤال! ليس لأن الحالة التي يجلبها لك التساؤل سامية وعالية -وهذه بحد ذاتها تعتبر غاية سامية وقيمة- ولكن، لأن التساؤل لا يكون إلا من إنسان سما وعلا عما يُعتقَد وأقول: يُعتَقد من قِبل الآخرون! فهو في مرحلة، نقطة، موضع وموقع يسمو عن كل ما يروَج له ويُدار بين البشر. لا يهم حقيقة أن يجيب عن السؤال؛ المهم أن يطرح السؤال. طرح السؤال يعني أن تكون ذاك الفيلسوف الذي وُلد بداخلك عندما ملكت العقل، عندما وُلد الوعي في وعيك .. أعني؛ وعيك الأصغر في وعيك الأكبر. لا شك بأن عقولنا تهتم بـالماذا وبالكيفية/ بالماهية والكيفية؛ متى وأين وغيرها من تفاصيل دنيوية، حياتية مادية.. لكن دائمًا السؤال عن السببية هو ديدن المتفلسف، المتأمل، مَن حقيقة يهتم بنقطة الانطلاق ووجهة الوصول ورحلة الطريق. لماذا نفعل ما نفعل، لأي غرض وأي غاية وأيًا كانت الإجابة؛ طرح السؤال يعني أنك أعلى وأسمى من أن تكون تابعًا. هذا بحد ذاته -بالنسبة لي- امتياز لا يملكه إلا المتميز، يملكه من يكون المتفلسف والفيلسوف الذي بداخله. الفلسفة ليست حقيقة منهجًا أو مدرسة تُدرّس، الفلسفة هي أن يكون لك منظورك الخاص حتى وإن كان المنظور مراقبة لا أكثر! لست بالضرورة قادر على أن تصف الوجود، أو حتى أن تبدأ بإدراكه؛ بل في الحقيقة أنك عندما تبدأ بوصفه وإدراكه فتكون قد اقتصرت على جزءٍ من الوجود. فـ الوجود لا يوصف .. الوجود لا يدرك! فهو مُتغير، متنامي بشكل مضطرد، كل لحظة تولد فيها فكرة من كل إنسان من مليارات البشر، يكبر ويربوا هذا الوجود اللامتناهي؛ فمن نكون لنُدركه؟! حقيقة أن الفلسفة بالنسبة لي: هي سمو البشر عن كونهم بشر. على الأقل لأولئك الذين تثرثر عقولهم، فإن الفلسفة هي المسار والطريق والمنهج والمِنهاج. أما من نَعَم بنعمة الصمت، فإن التأمل هو أسمى ما يكون. لكم أيها الأحبة الصامتون المتأملون.. كل الحب الذي تملكون ولا يدركه إلا مثلكم #الوعي_الآن الإسقاط النجمي
1 note
·
View note
Photo
عندما يقف الوجود في مواجهة اعترافات سيوران ولعناته "أفضل طريقة للتخلُّص من عدوٍّ أن تمدحه في كُلِّ مكان، سَيُنقَل إليه ذلك، فَيَفقِد القدرة على الإساءة إليك؛ هكذا تكون قد حطَّمت دافعه، سيواصل التهجُّم عليك؛ ولكن، دون حماسة ولا دأب؛ لأنَّه كفَّ عن كراهيتك لا شعوريًّا، إنَّه مهزوم يجهل هزيمته." إنَّ إميل سيوران 1911-1995 فيلسوف وكاتب رومانيٌّ، درَّس الفلسفة في معهد براسلوف، وحوَّل مرضه "الأرق" إلى وسيلة معرفية، حتى إنَّه أصدر كتابه الأول "على ذرى اليأس" عندما كان في سنِّ الثانية والعشرين، وهو الذي نُشِرعام 1934. وقد عُرِف سيوران بأفكاره السوداوية ومحاربته أفكار الانتحار التي رافقته فترة طويلة، ويُعدُّ من أهمِّ الكُتَّاب والفلاسفة العدميين والأدباء السوداويين. ويَشرَع الفيلسوف سيوران في هذا الكتاب في عرض مجموعة من الشذرات القصيرة المتجزِّئة في ستة أقسام مختلفة، وتتضمن هذه الشذرات الحديث عن أفكار جدلية رافقت حياته منذ الطفولة حتى غدا مُفكِّرًا وأديبًا وفيلسوفًا، وتتناول عديدًا من النواحي الوجودية والعدمية، والتعمُّق في النفس البشرية وإرادتها غير المبرَّرة للحياة والاستمرار، إضافة إلى أنَّه يتطرَّق إلى رؤيته الوهم الذي تعيشه البشرية تجاه مفهوم الوجود؛ لهذا عَمِل على التجريد الكامل من الوهم المبنيِّ على الوجود أو الصدقات أو الإرادة. يعتمد سيوران في طريقة عرضه فلسفته طريقةَ الاختصار والمجابهة والنقد الحاد؛ وذلك عن طريق مقتبسات قصيرة لا تتعدَّى أسطرًا عشرة لكلِّ مُقتبس، ويتميَّز الكتاب بعمق شذراته الفلسفية التي تخوض في الباطن، وصعوبة فكِّ اعتبارات المُقتبس وإسقاطاته على الوجود البشريِّ، وقد اعتدنا على قدرته على اختصار أعمق الأفكار أيضًا عن طريق مقتبس يضرب على أوتار الحقيقة والوهم، والوجود والعدم، وفي عمق النفس البشرية. ويتناول سيوران منذ القسم الأول "عند عتبة الوجود" مجموعة من الشذرات التي تَشرَع في أعماق الفلسفة الهندوسية والبوذية واليونانية واللاهوت الدينيِّ؛ فعلى سبيل المثال؛ يصف الفلسفة البوذية بأنَّها تبحث عن الخلاص، أمَّا اليونانية -باستثناء بيرون وإبيقور؛ فالأول هو مؤسس مذهب الشك والمعروف بالبيروية، والآخر هو الفيلسوف اليوناني ومؤسس المدرسة الإبيقورية- فوصفها بأنَّها مخيبة للآمال؛ فهي تبحث عن الحقيقة، وهذا -تبعًا لفلسفة سيوران العدمية- بحث عن حقيقة العدم، وليس عن معنى الوجود؛ ولهذا يرى أنَّ بعض الفلسفات التي تبحث عن الحقيقة مخيبة للآمال خلافًا للفلسفة الهندوسية التي تبحث عن الخلاص. إضافة إلى أنَّه يتناول في هذا القسم واحدًا من الموضوعات الشائكة في المنحى الفلسفي والعلمي على حدٍّ سواء، وهي الإرادة الحُرَّة، فيقول: "الإنسان حُرٌّ إلا حين يتعلق الأمر بما هو عميق فيه. على السطح هو يصنع ما يريد، أمَّا في طبقاته المُعتمة، فإنَّ الإرادة لفظ خالٍ من أيِّ معنى."ويُكمل المؤلف هذا القسم من الكتاب بالتعبير عن مواقف شخصية وشذرات تصف آراءه في عدد من الفلاسفة والكتَّاب الذين عاصرهم، ومن سبقوه بمئات وآلاف السنين، إضافة إلى أنَّ القسم الثاني من الكتاب "كسور" يحتوي على مجموعة من الشذرات الأدبية التي تصف الكتابة وأهميتها على مرِّ العصور، ويوضِّح العُمق الوجودي لها في حياته كذلك، ويرى سيوران أنَّ المترجمين الذين التقى بهم كانوا أكثر حنكة وذكاء من الكُتَّاب أنفسهم، ويصف ذلك بأنَّ حاجتنا إلى التفكير عند الترجمة أكثر ما نحتاج إليه عند الإبداع. "ليس هناك غير الموسيقا لإنشاء شراكة لا تنفصم بين كائنين، فالعاطفة قابلة للفساد؛ تتلف مثل كل ما ينتمي إلى الحياة، أما الموسيقا، فهي من جوهر أرقى من الحياة، وبالنتيجة من الموت."يرى الفيلسوف سيوران أنَّ كل العواطف ماثلة للفناء والتلاشي؛ ولهذا فإنَّ كل العلاقات القائمة على العاطفة هي قابلة للفساد، أمَّا الموسيقا، فهي وحدها أرقى من الحياة التي تسلبُ كل شيء نحو الفناء، والأدب مثل الموسيقا أيضًا؛ فيصف الفيلسوف سيوران حالته عندما انتهى من قراءة سيرة ذاتية لأحدهم أنَّه لم يستطع التفكير بأنَّ الشخصيات الموجودة لم تعد موجودة خارج هذا الكتاب، وبَدَت له الفكرة فوق طاقته على التحمُّل. ويحاول رسول العدم سيوران في كتابه "اعترافات ولعنات" أن يُقدِّم مزيجًا ما بين الأفكار الدينية (اللاهوت على وجه الخصوص) وبين واقعه المحتوم بالسوداوية؛ فيلجأ إلى النظر إلى الله والأنبياء بطريقة مُغايرة؛ ومن هنا يروي مواقفه مع الكهنة وأساتذة اللاهوت؛ ليقدِّم صورة جديدة لكل الاعتبارات الدينية، وهذا يشمل الديانات والكتب المقدسة الهندوسية أيضًا، و"الفيدية" نسبةً إلى الفيدا التي تُعدُّ من أقدم النصوص في العالم. ويغرق سيوران في القسم الثالث من الكتاب "قُبالة اللحظات" في اعتبارات أثر الوعي في النفس البشرية، ويُشير إلى لعنة الإدراك المُزمنة عن طريق تفسيره الحالات النفسية التي مرَّ بها، فيقول: "نمضي من فوضى إلى فوضى، هذا الاعتبار لا نتيجة مُعيَّنة له، ولا يمنع أحدًا من تحقيق مصيره، من الوصول في النهاية إلى الفوضى الكاملة."ويَشرَع بالتحدُّث عن أقل التفاصيل التي يُحدثها الوعي في التفكير بوصفها لعنة مُزمنة، إضافة إلى وصفها من قبل على أنَّها المنفى وليست الوطن، وهذا لا يخلو من اعتبارات وجودية مرَّ بها؛ مثل تفسيره دموع الإعجاب، واللاواقع، والموسيقا، وهذا ما يترك القارئ في حيرة بين الوجود والعدم عند قراءة بعض الشذرات، وكأنَّها ملحمة فلسفية تضع أثقالها بين السطور. علمًا أنَّ سيوران نفسه قد أنهى حياته ناقدًا للفلسفة، إضافة إلى أنَّه عاش حياته ناقدًا فذًّا للمُفكرين والفلاسفة، والوجوديين منهم خاصة. ويُنهي سيوران كتابه مع القسم الأخير "سُخْط" بغضب شديد تجاه كلِّ شيء، ويسعى إلى تقديم الجهة السوداء من كل اعتقاد راسخ؛ ولهذا تُقلِّص معظم الشذرات -في هذا القسم- المفاهيم التي تدعو إلى الحياة، ويعتمد معظمها على رؤية سيوران المُتوجِّهة نحو مقاومة الوجود وزيف الدعوة إليه. معلومات الكتاب:العنوان: اعترافات ولعنات.اسم الكاتب: إميل سيوران.المترجم: آدم فتحي.نُشِر عبر: منشورات الجمل، بيروت – بغداد، 2018.عدد الصفحات: 151
1 note
·
View note
Text
فلاسفة المدرسة الطبيعية - موقع اقرا
فلاسفة المدرسة الطبيعية – موقع اقرا
فلاسفة المدرسة الطبيعية تعد المدرسة الطبيعية أول مدرسة في تاريخ الفلسفة، وسميت بذلك بسبب اعتماد البحث الفلسفي في الوجود على السبب الطبيعي، بعيدًا عن الميتافيزيقا، والماورائيات، وتأملات الكهنة، ومن أهم الفلاسفة الطبيعيين ما يأتي:[١] طاليس الملطي يعد من الحكماء السبعة، وهو أول فيلسوف طبيعي، تفرغ لدراسة العلوم والبحث الفلسفي، وتنسب إليه العديد من الاكتشافات والاختراعات، منها الاكتشافات المتعلقة…
View On WordPress
0 notes