#فضاء واحد
Explore tagged Tumblr posts
Text
فضاء واحد وكـوبين شـاي
في نهاية اليوم وقبل الخلود للنوم أخصص وقت للقراءة على التمبلر، أتنقل بين تدوينات مختلفة عشوائية.
لا أدري مالتأثير الذي يحدثه مروري على هذه المُدونات؛ لكن بالنسبة لي الأمر أشبه بمشاركتي عتبة الوحدة وكوب الشـاي الذي أحتسيه، المشاركة تحمل قيمة نفسية ولو كانت-افتراضية.
لا أعلم من أنت ولا أعرف هيئتك، لم أشاركك وحدتك بشكل فعلي، ولم أكن حاضرة لأربت على كتفك وقت بكائك ولم أجالسك في أحلك الليالي، ومع ذلك أشعر أنني أعرفك بشكل عميق، أشاركك مدونتك وأقرأ تدويناتك عن ألمك، وحدتك، أفكارك، مخاوفك رغباتك، علاقاتك الحالية أو السابقة؛ جميع الأمور التي تجول في خُلدك.
أستمع لتفضيلاتك الموسيقية، أقرأ المقالات التي نالت على استحسانك، أتابع لحظاتك التي توثقها، أحرص على مشاهدة توصياتك السينمائية.
لا أدري ما إذا كان أحدهم يفعل الشيء ذاته، لكنني الآن أحتسي كوب الشـاي…ما رأيك بإعداد كوب لك بالطريقة التي تفضلها؟
صحيح أننا لم نتشارك طاولة واحدة، وقد نصطدم ببعضنا في الطريق فنعتذر كالغرباء ونمضي…لكن في المرة القادمة التي تكتب فيها تدوينك، تذكر اننا في هذا الفضاء معًا.
4 notes
·
View notes
Text
بنت خالتي، اللي هي أول حب في حياتي، بتتصل بيا على غير العادة عشان تسألني على شوية حجات تخص بنتها، اللي أنا أول حب في حياتها.
البنت اللي كانت شاطرة ومجتهدة وبتحب المذاكرة طول الابتدائية والاعدادية، وعندها طموح من وهي في اللفة تبقى دكتورة، مبتحبش الرياضيات، وخايفة تدخل علمي وتقع في الرياضيات فتضرب المجموع فمتلحقش كلية كويسة. قاموا حولوها لأزهر أولا، ثم عزموا امرهم على انها تدخل أدبي. واستقر الوضع والبنت بدأت تاخد دروس والدنيا كويسة، لحد ما قعدت مع أحد مشايخ المواد الشرعية وقالتله انها هتدخل أدبي، قام خوفها وقالها الأدبي ده قسم تافه بتاع الفاشلين وملوش لازمة، خشي علمي وكملي وانت شاطرة.
الراجل قد تكون نيته حسنة فعلا، ولو انه شتم في قسم ادبي يعني وده بالنسبة لي من الكبائر، بس البنت خافت، ورجعت نقلت الكلام لأمها -بنت خالتي- فأمها قررت تتصل بابن خالتها -اللي هو أنا يعني- على أساس ان ده فنان العائلة والوحيد العاق اللي درس حاجة بيحبها والآن هو مستقل ومستقر وممشي أموره يعني مش عطلان، فنتصل بيه ناخد رأيه.
اتخضيت أولا من الزمن. أنا عجزت لدرجة اني بقيت بينطلب مني نصايح لطلبة ثانوية عامة؟ كان القرد نفع نفسه والله يا بنت خالتي، يا أحلى وأبرأ حب في حياتي. متعرفيش انت انا كنت حاسس بايه يوم فرحك، أي نعم كان عندي أربعتاشر سنة، بس كان قلبي واجعني بردو. بس عنيا ليك بردو وهديلك من خبرتي في الحياة.
اتخضيت تاني من ان لسه فيه ناس بتفكر بمنطق كليات القمة والقاع، هو احنا عندنا تعليم من أصله؟ ما محصلة بعضيها يا جماعة. بس قعدت أفكر حبة وانا مسقعلها ع التلفون، أنه فيه ناس معندهاش بدايل فعلا غير التعليم مهما كان رديء. في النهاية مش كل الناس عندها رفاهيات اتخاذ قرارات مجازفة في الحياة. الشجاعة والاخلاص للأحلام الشخصية والانحياز لطفلك الداخلي اللي كان نفسه يطلع رائد فضاء، كل ده كلام في الدماغ ملوش علاقة بالواقع نفسه، فيه ناس في الواقع معندهاش فرصة لعمل أي حاجة إلا من خلال الشهادة، وفيه ناس معندهاش أي رأسمال اجتماعي يسندوا بيه نفسهم قدام العالم والناس التانيين إلا الشهادة نفسها، وبنتنا الدكتورة راحت بنتنا الدكتورة جت، حتى لو بنتهم الدكتورة دي بيتفتح عليها مطاوي في طوارئ المستشفيات الحكومية.
المهم، استجمعت قواي العقلية والنفسية والعاطفية في مكعب الحب الغريب اللي طلعلي من مكالمة غير متوقعة الساعة حداشر بالليل ده، وقلت لبنت خالتي انها محصلة بعضيها بأمانة، وعديت لها على صوابعي كمية صحابي الدكاترة والمهندسين اللي سابوا المجالات دي وراحوا اشتغلوا في حجات تانية، وأصحابي اللي مكملين في المجالات وكفرانيين ومكتئبين ومش طايقين نفسهم ب��بب الشغل، وان الشيخ بتاع المادة الشرعية، ممكن يكون عنده حق في ان العلمي أضمن سيكا، بس بردو الأدبي مش ضياع يعني وممكن البنت تعمل حاجة. قالتلي بنفكر في لغات وترجمة وهي بتحب الانجليزي وشاطرة فيه، قلت لها حلو، اللغات حلوة، ماما حلوة، بس لو فيه نصيحة واحدة هقولهالك بعيدا عن فكرة القسم والتخصص، هي ان الجامعة فترة مهمة في تكوين شخصية البنت نفسها وتجميع مهارات برا الكلية أصلا. وحكيت لها على واحد قابلته زمان وحكالي انه أيام ثانوية عامة كان كل طموحه انه يخش كلية مفيش فيها مذاكرة ولا شيت غياب وحضور ولا وجع القلب ده كله عشان يعرف يعمل الحاجات اللي عايز يعملها وهو باله رايق، ودلوقتي هو مأسس شركة وبيشتغل في مجال بيحبه.
فيعني الدنيا مخلصتش، ودوامة الثانوية العامة دي متستاهلش تكون دوامة أصلا، وهي كده كده خربانة واحنا في بلد زبالة ومفيش تعليم أصلا، فمتكدريش نفسية البنت ولا تخوفيها وتحسسيها ان مستقبلها ضاع يعني عشان دخلت أدبي. فاطمنت وشكرتني وقفلنا. وكان الود ودي أقفل المكالمة وانا بقولها تحت أمرك والله، أنا في الخدمة، ده انت مش عارفة انت ايه بالنسبالي، مع السلامة. مع السلامة يا فرح، يا أرق حب في حياتي، مش هنساك أبدا، مش هنساك. مع السلامة مع السلامة مع السلامة.
40 notes
·
View notes
Text
النملة التي تسكن شق الحائط وتتجول في عالم صغير لا يزيد عن دائرة قطرها نصف متر وتعمل طول الحياة عملًا واحدًا لا يتغير هو نقل فتافيت الخبز من الأرض إلى بيتها تتصور أن الكون كله هو هذا الشق الصغير وأن الحياة لا غاية لها إلا هذه الفتفوتة من الخبز ثم لا شيء وراء ذلك.. وهي معذورة في هذا التصور فهذا أقصى مدى تذهب إليه حواسها.
أما الإنسان فيعلم أن الشق هو مجرد شرخ في حائط والحائط لإحدى الغرف و الغرفة في إحدى الشقق والشقة هي واحدة من عشرات مثلها في عمارة والعمارة واحدة من عمارات في حي والحي واحد من عدة أحياء بالقاهرة والقاهرة عاصمة جمهورية و هذه بدورها مجرد قُطر من عدة أقطار في قارة كبيرة اسمها أفريقيا ومثلها أربع قارات أخرى على كرة سابحة في الفضاء اسمها الكرة الأرضية.. والكرة الأرضية بدورها واحدة من تسعة كواكب تدور حول الشمس في مجموعة كوكبية.. والمجموعة كلها بشمسها تدور هي الأخرى في الفضاء حول مجرة من مائة ألف مليون شمس.
وغيرها مائة ألف مليون مجرة أخرى تسبح بشموسها في فضاء لا أحد يعرف له شكلًا.. وكل هذا يؤلف ما يعرف بالسماء الأولى أو السماء الدنيا وهي مجرد واحدة من سبع سماوات لم تطلع عليها عين ولم تطأها قدم ومن فوقها يستوي الإله الخالق على عرشه يُدبّر كل هذه الأكوان ويُهيمن عليها من أكبر مجرة إلى أصغر ذرة.
كل هذا يعلمه الإنسان على وجه الحقيقة.. ومع ذلك فما أكثر الناس أشباه النمل الذين يعيشون سُجناء محصورين كل واحد مُنغلِق داخل شق نفسه يتحرك داخل دائرة محدودة من عدة أمتار ويدور داخل حلقة مفرغة من الهموم الذاتية تبدأ وتنتهي عند الحصول على كسرة خبز ومضاجعة امرأة ثم لا شيء وراء ذلك.. رغم ما وهب الله ذلك الإنسان من علم وخيال واختراع وأدوات وحيلة وذكاء ورغم ما كشف له من غوامض ذلك الكون الفسيح المذهل.
أكثر الناس بالرغم من ذلك قواقع و سلاحف ونمل كل واحد يغلق على نفسه قوقعته أو درقته أو يختبيء داخل جحر مظلم ضيق من الأحقاد والأضغان والأطماع والمآرب
و نرى آخر مغلولًا داخل رغبة أكّالة في الانتقام والثأر يصحو وينام ويقوم في قمقم من الكوابيس لا يعرف لنفسه خلاصًا ولا يُفكّر إلا في الكيفية التي ينقض بها على غريمه لينهش لحمه ويشرب دمه.
و نرى آخر قد غرق في دوامة من الأفكار السوداوية أغلق على نفسه زنزانة من الكآبة واليأس والخمول.
ولكن العالم واسع فسيح.
وإمكانيات العمل والسعادة لا حد لها وفُرص الاكتشاف لكل ما هو جديد ومذهل ومدهش تتجدد كل لحظة بلا نهاية
فلماذا يسجن الإنسان نفسه داخل شق في الحائط مثل النملة ويعض على أسنانه من الغيظ أو يحك جلده بحثًا عن لذة أو يطوي ضلوعه على ثأر.
ولماذا يسرق الناس بعضهم بعضًا ولماذا تغتصب الأمم بعضها بعضًا والخيرات حولها بلا حدود والأرزاق مطمورة في الأرض تحت أقدام من يبحث عنها.
ولماذا اليأس وصورة الكون البديع بما فيها من جمال ونظام وحكمة وتخطيط موزون تُوحي بإله عادل لا يخطيء ميزانه.. كريم لا يكف عن العطاء.
لماذا لا نخرج من جحورنا.. ونكسر قوقعاتنا ونطل برؤوسنا لنتفرج على الدنيا ونتأمل.
لماذا لا نخرج من همومنا الذاتية لنحمل هموم الوطن الأكبر ثم نتخطى الوطن إلى الإنسانية الكبرى.. ثم نتخطى الإنسانية إلى الطبيعة وما وراءها ثم إلى الله الذي جئنا من غيبه المغيب ومصيرنا إلى غيبه المغيب.
لماذا ننسى أن لنا أجنحة فنجرب أن نطير ونكتفي بأن نلتصق بالجحور في جبن ونغوص في الوحل و غرق في الطين ونُسلّم قيادتنا للخنزير في داخلنا.
لماذا نُسلّم أنفسنا للعادة والآلية والروتين المكرر وننسى أننا أحرار فعلًا.
لماذا أكثرنا نمل وصراصير .. ؟!
..
مقال : شق في الحائط
من كتاب : الروح والجسد.
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله )
21 notes
·
View notes
Text
وقفت كثيرًا أمام الصورة؛ ليست مساحة في أرض فضاء طالها الخراب، ولا شارعين سقطا بأحزمة نارية، وإنما هو المكان الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم، خاليا من السكان، تلك المنطقة التي لم يبقَ فيها بيت واحد، كيف فعلوها؟ كيف تُركوا يفعلونها؟ كيف أمهلتهم الأنظمة الخائنة كل تلك الأيام والليالي الطوال ليفعلوها؟ ليفرغوا جباليا كاملا من أهله، وإن بقيت جثامينهم تحت أسقفه وركامه!
لا أتصور كيف سوي بالأرض، كيف محي تماما، تلك ليست الصورة كاملة، تلك صورة عادية لا أكثر، وحدهم أهل جباليا والشمال وغزة يعرفون المشهد الحقيقي الذي يعيشونه منذ عشرات الأسابيع، وحكامنا وأنظمتنا خونة حتى أقدامهم، غارقون في الذل، متجذرون في النجاسة، بينما أبيدت جباليا عن بكرة أبيها حرفيا!
هنا جباليا، هنا غزة، ليس لها من دون الله كاشفة!
🥺💔🇵🇸
يوسف الدموكي
ᴬʸᴸᴬ 🦌
15 notes
·
View notes
Text
النملة التي تسكن شق الحائط وتتجول في عالم صغير لا يزيد عن دائرة قطرها نصف متر وتعمل طول الحياة عملًا واحدًا لا يتغير هو نقل فتافيت الخبز من الأرض إلى بيتها تتصور أن الكون كله هو هذا الشق الصغير وأن الحياة لا غاية لها إلا هذه الفتفوتة من الخبز ثم لا شيء وراء ذلك.. وهي معذورة في هذا التصور فهذا أقصى مدى تذهب إليه حواسها.
أما الإنسان فيعلم أن الشق هو مجرد شرخ في حائط والحائط لإحدى الغرف و الغرفة في إحدى الشقق والشقة هي واحدة من عشرات مثلها في عمارة والعمارة واحدة من عمارات في حي والحي واحد من عدة أحياء بالقاهرة والقاهرة عاصمة جمهورية و هذه بدورها مجرد قُطر من عدة أقطار في قارة كبيرة اسمها أفريقيا ومثلها أربع قارات أخرى على كرة سابحة في الفضاء اسمها الكرة الأرضية.. والكرة الأرضية بدورها واحدة من تسعة كواكب تدور حول الشمس في مجموعة كوكبية.. والمجموعة كلها بشمسها تدور هي الأخرى في الفضاء حول مجرة من مائة ألف مليون شمس.
وغيرها مائة ألف مليون مجرة أخرى تسبح بشموسها في فضاء لا أحد يعرف له شكلًا.. وكل هذا يؤلف ما يعرف بالسماء الأولى أو السماء الدنيا وهي مجرد واحدة من سبع سماوات لم تطلع عليها عين ولم تطأها قدم ومن فوقها يستوي الإله الخالق على عرشه يُدبّر كل هذه الأكوان ويُهيمن عليها من أكبر مجرة إلى أصغر ذرة.
كل هذا يعلمه الإنسان على وجه الحقيقة.. ومع ذلك فما أكثر الناس أشباه النمل الذين يعيشون سُجناء محصورين كل واحد مُنغلِق داخل شق نفسه يتحرك داخل دائرة محدودة من عدة أمتار ويدور داخل حلقة مفرغة من الهموم الذاتية تبدأ وتنتهي عند الحصول على كسرة خبز ومضاجعة امرأة ثم لا شيء وراء ذلك.. رغم ما وهب الله ذلك الإنسان من علم وخيال واختراع وأدوات وحيلة وذكاء ورغم ما كشف له من غوامض ذلك الكون الفسيح المذهل.
أكثر الناس بالرغم من ذلك قواقع و سلاحف ونمل كل واحد يغلق على نفسه قوقعته أو درقته أو يختبيء داخل جحر مظلم ضيق من الأحقاد والأضغان والأطماع والمآرب
و نرى آخر مغلولًا داخل رغبة أكّالة في الانتقام والثأر يصحو وينام ويقوم في قمقم من الكوابيس لا يعرف لنفسه خلاصًا ولا يُفكّر إلا في الكيفية التي ينقض بها على غريمه لينهش لحمه ويشرب دمه.
و نرى آخر قد غرق في دوامة من الأفكار السوداوية أغلق على نفسه زنزانة من الكآبة واليأس والخمول.
ولكن العالم واسع فسيح.
وإمكانيات العمل والسعادة لا حد لها وفُرص الاكتشاف لكل ما هو جديد ومذهل ومدهش تتجدد كل لحظة بلا نهاية
فلماذا يسجن الإنسان نفسه داخل شق في الحائط مثل النملة ويعض على أسنانه من الغيظ أو يحك جلده بحثًا عن لذة أو يطوي ضلوعه على ثأر.
ولماذا يسرق الناس بعضهم بعضًا ولماذا تغتصب الأمم بعضها بعضًا والخيرات حولها بلا حدود والأرزاق مطمورة في الأرض تحت أقدام من يبحث عنها.
ولماذا اليأس وصورة الكون البديع بما فيها من جمال ونظام وحكمة وتخطيط موزون تُوحي بإله عادل لا يخطيء ميزانه.. كريم لا يكف عن العطاء.
لماذا لا نخرج من جحورنا.. ونكسر قوقعاتنا ونطل برؤوسنا لنتفرج على الدنيا ونتأمل.
لماذا لا نخرج من همومنا الذاتية لنحمل هموم الوطن الأكبر ثم نتخطى الوطن إلى الإنسانية الكبرى.. ثم نتخطى الإنسانية إلى الطبيعة وما وراءها ثم إلى الله الذي جئنا من غيبه المغيب ومصيرنا إلى غيبه المغيب.
لماذا ننسى أن لنا أجنحة فنجرب أن نطير ونكتفي بأن نلتصق بالجحور في جبن ونغوص في الوحل و غرق في الطين ونُسلّم قيادتنا للخنزير في داخلنا.
لماذا نُسلّم أنفسنا للعادة والآلية والروتين المكرر وننسى أننا أحرار فعلًا.
لماذا أكثرنا نمل وصراصير .. ؟!
..
مقال : شق في الحائط
من كتاب : الروح والجسد.
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله )
19 notes
·
View notes
Text
لا يختص الطب أبدًا بمجرد الأجساد البشرية. أو أن الجسد البشري مساحة تتقاطع فيها الكثير من قوي هذا العالم، وعليه فمحتم للطبيب/ة أن يعرف عن العالم بقدر ما يعرف عن الجسد البشري. لا يوجد الجسد في فراغ محكم كما في كتب التشريح، بل يتحرك في ال��بيعة وفي مجتمع يترك عليه أثرًا وينفعل به الجسد كما هو فاعل فيه. وهذا أيضًا من اختصاصك.
لا يمكن فحص جسد مريض/ة بصورة كافية إلا بفحص حالة البلد الاقتصادية، وعدد الخرافات المنتشر في محيطه، والهندسة والعمران في فضاء تواجده. لكن ما يثير اهتمامي هذه الأيام هو اللغة. أقابل في أيامي المعدودات في الرعاية الأساسية لحظات من العجز الطبي سببها سوء استخدام وأبيزة للغة. إيهام يوقع فيه المريض/ة نفسه بسبب اللغة، أو عراقيل تتولى كعبلتي فأقع مكفية على وشي أثناء محاولاتي في تقديم رعاية صحية محترمة في ظروف سافلة.
أقول أن الأدوية التي درسناها في علم الأدوية، وعرفنا ما لها وما عليها، وسميناها بألسنة علمية وتجارية حداد لا تتيح اللبس أو توهم خواص خارقة لهذا الدواء؛ نقرأ اسمه فنتذكر أنه مختص بقتل البكتريا المكورة فقط، بينما هو ذليل أمام العصوية أو أي حاجة تانية. هذا الدواء الذي نراه بعين العالِم الكاشفة، يكتسب في لغة غير المختص اسمًا مهيبًا، وهالة لا فكاك من أسرها.
الفلاچيل، وهو نوع من المضادات الحيوية يقتل الأميبا وبعض البكتريا، اسمه في لسان المريض المصري: مطهر معوي. وعليه فأي مصيبة تحدث في أي معي لعين، فالفلاچيل كفيل بها، لأنه مطهر، وصف توراتي رهيب. يطلب المرضى المطهر المعوي لجمهرة من المشاكل اللي مالهاش علاقة ببعض: حالات الإسهال الڤيروسي البسيطة، حالات المغص مجهولة السبب، في أعقاب أي وجبة ثقيلة، حالات الإسهال الدموي المريبة التي يجب التيقن من سببها. لأنه مطهر معوي. اختراع شيطاني وساحر.
وتبعًا لهذا النسق، يتحول شريط الكالسيوم الذي يعطى للحوامل إلى شريط "التقوية"، ومن الذي لا يريد شريط التقوية؟ أنا نفسي رغبت فيه بعد هذا التحول المذهل في اسمه من شريط كالسيوم حقير يوصف طبقًا لقواعد، إلى شريط يمنحك القوة، والجميع مرهقون وسينزلهم السائق لأنهم تعبوا من السفر.
في لغة المريض أشعر بأني دخلت لعالم عجيب من الخيمياء. لا أحد يفهم لغتي التي تحاول شرح حقيقة الأجسام المتطفلة على الجسد البشري والفرق بينها. المرض في أذهانهم ما زال مجموعة غير متصلة من الأعراض لها علاج واحد فقط كما في أيام الطب المبني على النظريات غير المجربة. المضاد الحيوي. هو بالنسبة لمريض الرعاية الأساسية ودون ذلك كما الفصد بالنسبة لأطباء القرن السابع عشر. كيف ستنخفض الحرارة بدون مضاد حيوي؟ كيف ستتوقف الكحة؟ كيف ستتوقف الحكة في قدمي؟ كيف سيتوقف الواد عن الترجيع؟ ما تراه أنت مجرد كيمياء معروفة، هو مضاد: درع صليبي، وحيوي: يمنح الحياة أو يحافظ عليها أو حاجة أكبر من كدة.
لا تتوقف لغة المريض عن تفسير مهام الأدوية بصورة عجيبة لا تفلح معها محاولاتي المثيرة للشفقة في التفنيد، بل تتجاوز ذلك لمنح صورة سحرية لبعض صور الدواء، تحيلك لأيام الشامان ومعالجي القبائل الأوائل. في الرعاية الأساسية اكتشفت أن كلمة "دواء" لا تطلق إلا على الدواء المشروب. ولطالما حيرني سؤال: يعني مش هتكتبي لي دوا؟ أمال أنا منيلة إيه في الروشتة. لكن ما كتبته كان مجرد "برشام"، أما الدواء الحقيقي فهو المشروب الذي يوضع في زجاجة وله هالة سحرية، الدواء المشروب هو وريث الإكسير. ومعه المرهم، واحد من أول صور العلاج الذي اخترعه الإنسان، منزلته تجب الأقراص اللعينة. كفيل بالقضاء على أي ما يعرض في الجلد: حساسية، صدفية، خراج، جرع قطعي، غنغرينا ميئوس منها، وهكذا.
أكتشف أن كل مجهودي هناك هو مهمة لغوية. أحاول بضراوة انتزاع السحر عن الكلمة وتدنيسها. أصر على شرح كيف تعمل العلب المرصوصة في الصيدلية. كيف يستحيل الطب إلى مهمة نبوية بهكذا طريقة؟
قرأت من مدة أن علماء الأحياء مجمعون على أن الزمرة البيولوجية المسماة ب"السمك" غير موجودة. لا وجود لمجموعة كائنات متمايزة عن غيرها ومنسجمة فيما بينها اسمها السمك، قرابة الأسماك ببعضها تشبه قرابتنا بالليمور وآكل النمل والطحالب الخضراء المزرقة. السمك خدعة لغوية. وعليه فالتقدم في علم الأحياء تطلب مهمة لغوية. كل تغيير في هذا العالم هو مهمة لغوية بالأساس. كل اكتشاف، كل ثورة، كل خداع، كل مجزرة، تنبثق عن لغة ما.
في الصباحات أنا في مواجهة لغة المرضى بقاموسها الخرافي وارتباطاتها المحيرة ونتائجها المؤسفة. في المساءات أشاهد غلالة من لغة شيطانية وهي تسمح للتاريخ أن يكرر مآسيه. في كتب التاريخ تبدو البوسترز الترويجية لجرائم السوڤييت، وأحلام النازي، ومانشيتات الجرائد المصرية التي خدمت المبعوث البريطاني، تبدو أثرًا بعد عين. أمور من المستحيل تكرارها لأننا لسنا عميانًا ولا مغفلين. لكن هل كان من سبقونا كذلك؟ أم أن في الإنسان ضعف فطري وميل للوقوع في فخاخ اللغة. في الفرق الطفيف بين "مات" و"قتل". بين "حرب" و"استعمار". في التعامل مع التاريخ كأنه بدأ توًا، في اللحظة التي حاول فيها الشهيد باتريس لومومبا تخليص بلاده من المستعمر البلجيكي بقوة السلاح فأصبح إرهابيًا، أما الخط الذي يسبق ذلك ممتدًا حتى تأسيس مدينة ليوبلدڤيل بالدم وال��رق، حتى حقول المطاط التي تساقط فيها أهل الأرض وهلكوا كالذباب؛ فممحو تمامًا .ما الذي جعله إرهابيًا سوى أنه اتهم ملك بلچيكا بالكذب يوم أن قال الأخير أن بلاده أنعمت على من احتلتهم؟
في الصباح وفي المساء أريد أن أفند اللغة. هي شغل يومي. هي شغل الأنبياء الذين أحالوا كل من قادهم الوهم إلى الأسماء. "ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم". وهي أكثر الأعمال مشقة، لأن تجريد الكذبة من طبقات اللغة الفاسدة قد يصيبك بالجنون. وقد يصيب صاحب الكذبة كذلك بالجنون والسعار. لكنها حرب ضرورية، ميراث الأنبياء حملة الحقيقة، وكل ما أريده هو أن أكون من جندياتها.
49 notes
·
View notes
Text
تتراقص الكلمات في فضاء الروح، تتسرب بين الشفاه مثل نسيم عليل يحمل رائحة البحر والعشق. كأنما في شبقية التلفظ، يتحول الكلام إلى لحن موسيقي، يعزف على أوتار القلب. تلك اللحظات التي يلتقي فيها المعنى بالحس، حيث يذوب كل شيء في اندماج لا يقاوم.
هل للكلمات إذن طعم؟ أم هي فقط أشباح تتجول في عوالمنا الداخلية؟ في كل مرة تخرج فيها تلك العبارات من الشفتين، يشعر المتلقي وكأنه يغوص في بئر عميق من الإغواء، حيث تشرق فيه شمس الحماس والشغف. كلماته تصبح كالأمواج، تتلاطم في أعماق الروح، تثير فيها عواصف من الأحاسيس، وتُخرج من الأعماق مشاعر كانت مدفونة.
يتراقص اللسان، ويرسم بألوانه صورًا حية، كأنما هو فنانٌ يخط لوحاته على سطح الماء. هنا، تتدفق الكلمات كما يتدفق الحب، يجمع بين الشغف والبراءة، بين الحرية والقيود. في تلك اللحظات، يصبح الكلام أكثر من مجرد تواصل، بل هو تعبير مكثف عن الأشواق والألم والمتعة.
وتكتشف في هذا النقاش العميق أن الجمال ليس في المعاني بحد ذاتها فحسب، بل في الطريقة التي تُقال بها، في الشفافية التي تحملها، كأنها صدى لأعمق أسرار النفس. حميمية اللسان، وخفة الكلام، تجعل من كل جملة احتضانًا دافئًا، يُشعر كل من يسمع بأنه محاط بتلك المشاعر الجياشة.
وهكذا، تصبح المحادثة مساحة آمنة للارتباط، حيث تلتقي الأرواح وتتواصل بلا حدود. إن الكلمات، حين تُنطق بحب، تتحول إلى رحيق، يُتذوق كأنه قطرات ماسية تضيء المساء. إن في طيات الكلام أسرار، وفي رقة الصوت لحنًا مفقودًا يعود للحياة.
ألا يتجلى الحب، إذًا، في كل همسة وكل كلمة نخرجها من شفاهنا؟ أليس هو ذلك الجسر الذي يعبر بنا إلى عوالم أخرى، حيث تتعانق الأرواح وتتحرر من قيود الجسد؟ في النهاية، تبقى الكلمات، رغم كل شيء، هي المفتاح الذي يفتح أبواب العوالم الخفية، حيث تتجسد الوحدة في تنوع المشاعر وثراء المعاني.
كأنما في شبقية التلفظ بالكلام، إشباع للروح التواقه، بحث عن متعة جبارة تعانق الحس والروح. الكلمات تنساب بسلاسة، كأنها رحيق عذب ينبعث من أعماق القلب، موتوراً بدم داخلي متدفق، يرقص على إيقاع الشفتين واللسان. كل نبضة تُمثل لحظة من الانفجار الحسي، حيث تتمسّك الكلمات بالشغف، تنفرج ثم تنغلق، كأمواج البحر التي تتلاطم برقة لكن بعنف، موازنة بين القرب والابتعاد.
وهو، ذاك الساحر، يتقدّم بحذر في دروب الحوار، يشهد أداءً شبقياً يبدو للعين بذيئاً، لكنه في جوهره عذوبة وبراءة متناهية، كاستجابة لطبيعة فطرية تقوم على محاورة الأرواح. على شاطئ البحر، يحضن صوتها المليء بالدلال، كل كلمة تُشعره بحاجة إلى المزيد، كبديل دافئ للتقبيل، لاحتضان، لتحسس الحياة في كل ارتعاشة.
الشفتان تتلامسان مع الهواء، تتذوقان كل حرف وكل علامة، لتصنع لحظات خالدة من الرغبة كما لو كانت تميمة تحمي الذاكرة. هل الحب يُكتب بالكلمات أم تُكتب الكلمات بالحب؟ فليكن قولها فناً، ولتكن كل عبارة جسرًا يربط بين أرواح متلهفة للشعور بلذاتها.
داخل تلك اللحظات، يندمج الزمن، يتوقف ويتعطل كل شيء عدا صوتهما. إنهما في رقص أبدي، حيث تتراقص الأفكار والمشاعر في تناغم مُبهر، وتتسامى المعاني فوق كل ما هو دنيوي. ما أجمل الأحلام حين تكون متجسدة في حديث واحد، تطفو فيه الخيالات والرغبات، راغبة في الاستكشاف، كما إذا كان البحر يحكي قصة عشق أزلي، هنا في حضرة الوجود.
6 notes
·
View notes
Text
أنتظر وقوفك بعد ليل ممدد طويل على أريكة قرمزية، وحين تنسحبين إلى فوق مندفعة بقامتك، سيصعد اللون معك في الستارة التي تقين بها جسمك
اللون يحلق معك
جسمك يضيء نصف الغرفة ووجودي أنا يصبح ضعيفًا في الوسط
أنتظر بهلع أن امتصّ اللون من أصابعك، وأنت واقفة تغطين نصف جسمك بفضاء قرمزي. أتبع علامات مضيئة في صوتك، ارتجف. أنحني أكثر على ركبتيك، وأنت واقفة تفسرين معنى اللهب في الشمعة
وتقطرين منها نقاطًا بيضاء في هواء رطب. أنحني على الينبوع الحي. أنت لا تشعرين بغصة السجن
ثمة حرية في النصف المعتم من الغرفة، أنتهكها بأصابعي، سأتعلم أن أطير فوق أصابع قدميك في المرة المقبلة، وأسرق الخلخال حتى تظلين واقفة
وأنا أحلق برغباتي عند شمعة تضيء فوق ركبتيك
أرى في الينبوع كائنًا مستقلًا
وأنت واقفة
في فضاء قرمزي
سأنتظر قدومك. من الصوف، أخترع أسطورة موازية للثوب الذي نعدّه في إنتظار سقوط الأريكة من كوكب بعيد. كم قلت إني أقلب جوهر الأسطورة معك. الأسطورة لا تنهي الثوب. تحيك الزمن. لا تحيك الصوف، تحيك الوقت بإنتظار قدومك على رؤوس أصابعك
أفكر بأريكة قاطع طريق ألتصق بها. الصوف يفر من النول، ويستقر في حضنك. الثوب سوف يدور في المغزل بحثًا عن أبواب إضافية تحت إبطيك. لا يتسلل إلا ليبحث عن قافية في اللغة، اللغة تنسى أن تتجدد على شفتيك
نحن في ثوب صوفي واحد، نسينا من حاكه للآخر
لم تكن أسطورة غزل الصوف إلا صلاة وتعبد
نحن ننسى الأسطورة
نريد من الثوب أن يكون بأكمام طويلة، تدل علينا حين نلتصق ببعض، الصوف أبيض من غيمة ملساء، يتحرر الصوف من يوم القيامة
يعكس الجنة في يومٍ واحد واقع على صدرك
11 notes
·
View notes
Text
النملة التي تسكن شق الحائط وتتجول في عالم صغير لا يزيد عن دائرة قطرها نصف متر وتعمل طول الحياة عملًا واحدًا لا يتغير هو نقل فتافيت الخبز من الأرض إلى بيتها تتصور أن الكون كله هو هذا الشق الصغير وأن الحياة لا غاية لها إلا هذه الفتفوتة من الخبز ثم لا شيء وراء ذلك.. وهي معذورة في هذا التصور فهذا أقصى مدى تذهب إليه حواسها.
أما الإنسان فيعلم أن الشق هو مجرد شرخ في حائط والحائط لإحدى الغرف و الغرفة في إحدى الشقق والشقة هي واحدة من عشرات مثلها في عمارة والعمارة واحدة من عمارات في حي والحي واحد من عدة أحياء بالقاهرة والقاهرة عاصمة جمهورية و هذه بدورها مجرد قُطر من عدة أقطار في قارة كبيرة اسمها أفريقيا ومثلها أربع قارات أخرى على كرة سابحة في الفضاء اسمها الكرة الأرضية.. والكرة الأرضية بدورها واحدة من تسعة كواكب تدور حول الشمس في مجموعة كوكبية.. والمجموعة كلها بشمسها تدور هي الأخرى في الفضاء حول مجرة من مائة ألف مليون شمس.
وغيرها مائة ألف مليون مجرة أخرى تسبح بشموسها في فضاء لا أحد يعرف له شكلًا.. وكل هذا يؤلف ما يعرف بالسماء الأولى أو السماء الدنيا وهي مجرد واحدة من سبع سماوات لم تطلع عليها عين ولم تطأها قدم ومن فوقها يستوي الإله الخالق على عرشه يُدبّر كل هذه الأكوان ويُهيمن عليها من أكبر مجرة إلى أصغر ذرة.
كل هذا يعلمه الإنسان على وجه الحقيقة.. ومع ذلك فما أكثر الناس أشباه النمل الذين يعيشون سُجناء محصورين كل واحد مُنغلِق داخل شق نفسه يتحرك داخل دائرة محدودة من عدة أمتار ويدور داخل حلقة مفرغة من الهموم الذاتية تبدأ وتنتهي عند الحصول على كسرة خبز ومضاجعة امرأة ثم لا شيء وراء ذلك.. رغم ما وهب الله ذلك الإنسان من علم وخيال واختراع وأدوات وحيلة وذكاء ورغم ما كشف له من غوامض ذلك الكون الفسيح المذهل.
أكثر الناس بالرغم من ذلك قواقع و سلاحف ونمل كل واحد يغلق على نفسه قوقعته أو درقته أو يختبيء داخل جحر مظلم ضيق من الأحقاد والأضغان والأطماع والمآرب
و نرى آخر مغلولًا داخل رغبة أكّالة في الانتقام والثأر يصحو وينام ويقوم في قمقم من الكوابيس لا يعرف لنفسه خلاصًا ولا يُفكّر إلا في الكيفية التي ينقض بها على غريمه لينهش لحمه ويشرب دمه.
و نرى آخر قد غرق في دوامة من الأفكار السوداوية أغلق على نفسه زنزانة من الكآبة واليأس والخمول.
ولكن العالم واسع فسيح.
وإمكانيات العمل والسعادة لا حد لها وفُرص الاكتشاف لكل ما هو جديد ومذهل ومدهش تتجدد كل لحظة بلا نهاية
فلماذا يسجن الإنسان نفسه داخل شق في الحائط مثل النملة ويعض على أسنانه من الغيظ أو يحك جلده بحثًا عن لذة أو يطوي ضلوعه على ثأر.
ولماذا يسرق الناس بعضهم بعضًا ولماذا تغتصب الأمم بعضها بعضًا والخيرات حولها بلا حدود والأرزاق مطمورة في الأرض تحت أقدام من يبحث عنها.
ولماذا اليأس وصورة الكون البديع بما فيها من جمال ونظام وحكمة وتخطيط موزون تُوحي بإله عادل لا يخطيء ميزانه.. كريم لا يكف عن العطاء.
لماذا لا نخرج من جحورنا.. ونكسر قوقعاتنا ونطل برؤوسنا لنتفرج على الدنيا ونتأمل.
لماذا لا نخرج من همومنا الذاتية لنحمل هموم الوطن الأكبر ثم نتخطى الوطن إلى الإنسانية الكبرى.. ثم نتخطى الإنسانية إلى الطبيعة وما وراءها ثم إلى الله الذي جئنا من غيبه المغيب ومصيرنا إلى غيبه المغيب.
لماذا ننسى أن لنا أجنحة فنجرب أن نطير ونكتفي بأن نلتصق بالجحور في جبن ونغوص في الوحل و غرق في الطين ونُسلّم قيادتنا للخنزير في داخلنا.
لماذا نُسلّم أنفسنا للعادة والآلية والروتين المكرر وننسى أننا أحرار فعلًا.
لماذا أكثرنا نمل وصراصير .. ؟!
..
مقال : شق في الحائط
من كتاب : الروح والجسد.
للدكتور / مصطفى محمود (رحمه الله )
3 notes
·
View notes
Text
النملة التي تسكن شق الحائط وتتجول في عالم صغير لا يزيد عن دائرة قطرها نصف متر وتعمل طول الحياة عملًا واحدًا لا يتغير هو نقل فتافيت الخبز من الأرض إلى بيتها تتصور أن الكون كله هو هذا الشق الصغير وأن الحياة لا غاية لها إلا هذه الفتفوتة من الخبز ثم لا شيء وراء ذلك.. وهي معذورة في هذا التصور فهذا أقصى مدى تذهب إليه حواسها.
أما الإنسان فيعلم أن الشق هو مجرد شرخ في حائط والحائط لإحدى الغرف و الغرفة في إحدى الشقق والشقة هي واحدة من عشرات مثلها في عمارة والعمارة واحدة من عمارات في حي والحي واحد من عدة أحياء بالقاهرة والقاهرة عاصمة جمهورية و هذه بدورها مجرد قُطر من عدة أقطار في قارة كبيرة اسمها أفريقيا ومثلها أربع قارات أخرى على كرة سابحة في الفضاء اسمها الكرة الأرضية.. والكرة الأرضية بدورها واحدة من تسعة كواكب تدور حول الشمس في مجموعة كوكبية.. والمجموعة كلها بشمسها تدور هي الأخرى في الفضاء حول مجرة من مائة ألف مليون شمس.
وغيرها مائة ألف مليون مجرة أخرى تسبح بشموسها في فضاء لا أحد يعرف له شكلًا.. وكل هذا يؤلف ما يعرف بالسماء الأولى أو السماء الدنيا وهي مجرد واحدة من سبع سماوات لم تطلع عليها عين ولم تطأها قدم ومن فوقها يستوي الإله الخالق على عرشه يُدبّر كل هذه الأكوان ويُهيمن عليها من أكبر مجرة إلى أصغر ذرة.
كل هذا يعلمه الإنسان على وجه الحقيقة.. ومع ذلك فما أكثر الناس أشباه النمل الذين يعيشون سُجناء محصورين كل واحد مُنغلِق داخل شق نفسه يتحرك داخل دائرة محدودة من عدة أمتار ويدور داخل حلقة مفرغة من الهموم الذاتية تبدأ وتنتهي عند الحصول على كسرة خبز ومضاجعة امرأة ثم لا شيء وراء ذلك.. رغم ما وهب الله ذلك الإنسان من علم وخيال واختراع وأدوات وحيلة وذكاء ورغم ما كشف له من غوامض ذلك الكون الفسيح المذهل.
أكثر الناس بالرغم من ذلك قواقع و سلاحف ونمل كل واحد يغلق على نفسه قوقعته أو درقته أو يختبيء داخل جحر مظلم ضيق من الأحقاد والأضغان والأطماع والمآرب.
نرى الذي يموت من الغيرة وقد نَسي أن العالم مليء بالنساء ونسي أن هناك غير النساء عشرات اللذّات والأهداف الأخرى الجميلة.. ولكنه سجن نفسه بجهله و غبائه داخل امرأة واحدة وداخل جحر نملة واحدة إلتصق بها كما يلتصق بقطرة عسل لا يعرف لنفسه فكاكًا.
و نرى آخر مغلولًا داخل رغبة أكّالة في الانتقام والثأر يصحو وينام ويقوم في قمقم من الكوابيس لا يعرف لنفسه خلاصًا ولا يُفكّر إلا في الكيفية التي ينقض بها على غريمه لينهش لحمه ويشرب دمه.
ونرى آخر قد تكوم تحت الأغطية وغاب في محاولة حيوانية لاستدرار اللذة مثل قرد الجبلاية الذي يمارس العادة السرية أمام أنثاه.
و نرى آخر قد غرق في دوامة من الأفكار السوداوية أغلق على نفسه زنزانة من الكآبة واليأس والخمول.
ونرى آخر قد أسر نفسه داخل موقف الرفض والسخط والتبرم والضيق بكل شيء.
ولكن العالم واسع فسيح.
وإمكانيات العمل والسعادة لا حد لها وفُرص الاكتشاف لكل ما هو جديد ومذهل ومدهش تتجدد كل لحظة بلا نهاية.
وقد مشى الإنسان على تراب القمر.
ونزلت السفن على كوكب الزهرة.
وارتحلت الكاميرات التليفزيونية إلى المريخ.
فلماذا يسجن الإنسان نفسه داخل شق في الحائط مثل النملة ويعض على أسنانه من الغيظ أو يحك جلده بحثًا عن لذة أو يطوي ضلوعه على ثأر.
ولماذا يسرق الناس بعضهم بعضًا ولماذا تغتصب الأمم بعضها بعضًا والخيرات حولها بلا حدود والأرزاق مطمورة في الأرض تحت أقدام من يبحث عنها.
ولماذا اليأس وصورة الكون البديع بما فيها من جمال ونظام وحكمة وتخطيط موزون تُوحي بإله عادل لا يخطيء ميزانه.. كريم لا يكف عن العطاء.
لماذا لا نخرج من جحورنا.. ونكسر قوقعاتنا ونطل برؤوسنا لنتفرج على الدنيا ونتأمل.
لماذا لا نخرج من همومنا الذاتية لنحمل هموم الوطن الأكبر ثم نتخطى الوطن إلى الإنسانية الكبرى.. ثم نتخطى الإنسانية إلى الطبيعة وما وراءها ثم إلى الله الذي جئنا من غيبه المغيب ومصيرنا إلى غيبه المغيب.
لماذا ننسى أن لنا أجنحة فنجربق أن نطير ونكتفي بأن نلتصق بالجحور في جبن ونغوص في الوحل و غرق في الطين ونُسلّم قيادتنا للخنزير في داخلنا.
لماذا نُسلّم أنفسنا للعادة والآلية والروتين المكرر وننسى أننا أحرار فعلًا.
لماذا أكثرنا نمل وصراصير .. ؟!
..
د/مصطفى محمود
من كتاب : الروح والجسد.
3 notes
·
View notes
Text
النملة التي تسكن شق الحائط وتتجول في عالم صغير لا يزيد عن دائرة قطرها نصف متر وتعمل طول الحياة عملًا واحدًا لا يتغير هو نقل فتافيت الخبز من الأرض إلى بيتها تتصور أن الكون كله هو هذا الشق الصغير وأن الحياة لا غاية لها إلا هذه الفتفوتة من الخبز ثم لا شيء وراء ذلك.. وهي معذورة في هذا التصور فهذا أقصى مدى تذهب إليه حواسها.
أما الإنسان فيعلم أن الشق هو مجرد شرخ في حائط والحائط لإحدى الغرف و الغرفة في إحدى الشقق والشقة هي واحدة من عشرات مثلها في عمارة والعمارة واحدة من عمارات في حي والحي واحد من عدة أحياء بالقاهرة والقاهرة عاصمة جمهورية و هذه بدورها مجرد قُطر من عدة أقطار في قارة كبيرة اسمها أفريقيا ومثلها أربع قارات أخرى على كرة سابحة في الفضاء اسمها الكرة الأرضية.. والكرة الأرضية بدورها واحدة من تسعة كواكب تدور حول الشمس في مجموعة كوكبية.. والمجموعة كلها بشمسها تدور هي الأخرى في الفضاء حول مجرة من مائة ألف مليون شمس.
وغيرها مائة ألف مليون مجرة أخرى تسبح بشموسها في فضاء لا أحد يعرف له شكلًا.. وكل هذا يؤلف ما يعرف بالسماء الأولى أو السماء الدنيا وهي مجرد واحدة من سبع سماوات لم تطلع عليها عين ولم تطأها قدم ومن فوقها يستوي الإله الخالق على عرشه يُدبّر كل هذه الأكوان ويُهيمن عليها من أكبر مجرة إلى أصغر ذرة.
كل هذا يعلمه الإنسان على وجه الحقيقة.. ومع ذلك فما أكثر الناس أشباه النمل الذين يعيشون سُجناء محصورين كل واحد مُنغلِق داخل شق نفسه يتحرك داخل دائرة محدودة من عدة أمتار ويدور داخل حلقة مفرغة من الهموم الذاتية تبدأ وتنتهي عند الحصول على كسرة خبز ومضاجعة امرأة ثم لا شيء وراء ذلك.. رغم ما وهب الله ذلك الإنسان من علم وخيال واختراع وأدوات وحيلة وذكاء ورغم ما كشف له من غوامض ذلك الكون الفسيح المذهل.
أكثر الناس بالرغم من ذلك قواقع و سلاحف ونمل كل واحد يغلق على نفسه قوقعته أو درقته أو يختبيء داخل جحر مظلم ضيق من الأحقاد والأضغان والأطماع والمآرب.
نرى الذي يموت من الغيرة وقد نَسي أن العالم مليء بالنساء ونسي أن هناك غير النساء عشرات اللذّات والأهداف الأخرى الجميلة.. ولكنه سجن نفسه بجهله و غبائه داخل امرأة واحدة وداخل جحر نملة واحدة إلتصق بها كما يلتصق بقطرة عسل لا يعرف لنفسه فكاكًا.
و نرى آخر مغلولًا داخل رغبة أكّالة في الانتقام والثأر يصحو وينام ويقوم في قمقم من الكوابيس لا يعرف لنفسه خلاصًا ولا يُفكّر إلا في الكيفية التي ينقض بها على غريمه لينهش لحمه ويشرب دمه.
ونرى آخر قد تكوم تحت الأغطية وغاب في محاولة حيوانية لاستدرار اللذة مثل قرد الجبلاية الذي يمارس العادة السرية أمام أنثاه.
و نرى آخر قد غرق في دوامة من الأفكار السوداوية أغلق على نفسه زنزانة من الكآبة واليأس والخمول.
ونرى آخر قد أسر نفسه داخل موقف الرفض والسخط والتبرم والضيق بكل شيء.
ولكن العالم واسع فسيح.
وإمكانيات العمل والسعادة لا حد لها وفُرص الاكتشاف لكل ما هو جديد ومذهل ومدهش تتجدد كل لحظة بلا نهاية.
وقد مشى الإنسان على تراب القمر.
ونزلت السفن على كوكب الزهرة.
وارتحلت الكاميرات التليفزيونية إلى المريخ.
فلماذا يسجن الإنسان نفسه داخل شق في الحائط مثل النملة ويعض على أسنانه من الغيظ أو يحك جلده بحثًا عن لذة أو يطوي ضلوعه على ثأر.
ولماذا يسرق الناس بعضهم بعضًا ولماذا تغتصب الأمم بعضها بعضًا والخيرات حولها بلا حدود والأرزاق مطمورة في الأرض تحت أقدام من يبحث عنها.
ولماذا اليأس وصورة الكون البديع بما فيها من جمال ونظام وحكمة وتخطيط موزون تُوحي بإله عادل لا يخطيء ميزانه.. كريم لا يكف عن العطاء.
لماذا لا نخرج من جحورنا.. ونكسر قوقعاتنا ونطل برؤوسنا لنتفرج على الدنيا ونتأمل.
لماذا لا نخرج من همومنا الذاتية لنحمل هموم الوطن الأكبر ثم نتخطى الوطن إلى الإنسانية الكبرى.. ثم نتخطى الإنسانية إلى الطبيعة وما وراءها ثم إلى الله الذي جئنا من غيبه المغيب ومصيرنا إلى غيبه المغيب.
لماذا ننسى أن لنا أجنحة فنجربق أن نطير ونكتفي بأن نلتصق بالجحور في جبن ونغوص في الوحل و غرق في الطين ونُسلّم قيادتنا للخنزير في داخلنا.
لماذا نُسلّم أنفسنا للعادة والآلية والروتين المكرر وننسى أننا أحرار فعلًا.
لماذا أكثرنا نمل وصراصير .. ؟!
..
د/مصطفى محمود
من كتاب : الروح والجسد.
5 notes
·
View notes
Text
كنا في حدود عام 1370ه رعاة إبل نجوب الصحراء وصادف ذات رحلة أن اقتربت مؤنتنا على النفاذ ونحن آنئذ بالقرب من مدينة عنيزة
كنا مجموعة رعاة ولم يكن مع أحد منا ريال واحد وأيضا لسوء الحظ لم يكن معنا ما نقايض به كأن نشتري تمرا بسمن أو أقطا
اتفق الجميع على أن أنزل وحدي إلى عنيزة وأن ألتمس أحدا من تجارها يقرضنا إلى حين ميسرة
نزلت سوق عنيزة وبدأت أتفرس وجوه الرجال أصحاب الدكاكين بحثا عن تاجر أتوسم فيه المرونة في ذلك الزمن الشحيح
هفت نفسي إلى رجل منهم توسمت في سيمائه الخير والمرونة فسلمت عليه ثم قصصت عليه خبري وخبر جماعتي
قال التاجر لو كنت وحدك لأعطيتك ما يكفيك ولكنكم جماعة تحتاج إلى ما لا يقل عن 40 ريالا وهذا يضر بتجارتي فضلا عن أني لا أعرفك
احترت ما أقول له فحجته قوية ولا يرضيني أن أضربه وأنا بدوي تقذفني الصحراء من فج إلى فج ولا أدري متى سأعود إليه عندئذ ألهمني الله أن أذكر المحزم الذي كنت ألبسه فقلت خذ هذا المحزم يساوي 40 ريالا هو لك بعها إن لم أعد بعد شهر إليك
ارتاحت نفس التاجر فقال اتفقنا خذ بقيمة 40 ريالا ما شئت من التمر وموعدنا بعد شهر إن عدت وإلا بعت هذا المحزم واستوفيت ثمني منه
أخذت التمر وعدت إلى رفاقي ثم كما العادة دفعتنا الصحراء إلى بطنها فمضى الأجل الذي بيننا وقلت في نفسي الرجل أخذ حقه فلتطب نفسي
تقلبت بي الحياة ظهرا لبطن فتركت البداوة وعملت سائقا ثم صرت سائقا يقوم بتوصيل السيارات الجديدة من الميناء إلى وكالاتها
بعد قرابة 20 سنة
ذهبت بحملة سيارات من الميناء إلى القصيم لإيصال سيارات إلى الوكالة
كانت السيارات ذلك الزمن تحتاج إلى التبريد والتبريد هو أن توقف السيارة فترة مع رفع غطاء ماكينتها حتى تبر
توقفنا في أطراف عنيزة لتبريد سياراتنا ونزلت أتريض في بعض بساتينها لقد تغيرت عنيزة ولك أن تتخيل ماذا فعلت الطفرة بالمدن السعودية
فيما أنا في تلك المزرعة إذ بصاحبها يقترب مني ويسلم علي فسلمت عليه وأخبرته أننا مجموعة من السائقين نبرد سياراتنا وأني دخلت أتريض هنا
فقال صاحب المزرعة قل لأصحابك ألا يطبخوا شيئا للغداء وأخبرهم بأن غداءهم عندي هنا في المزرعة
اعتذرت قليلا فألح كثيرا
وفيما أنا أتريض معه في المزرعة خطرت لي قصة المحزم وذلك التاجر فقلت له يا عم لي عن عنيزة 20 سنة ولي فيها قصة هي كيت وكيت
فقال الشيخ صاحب المزرعة هل تذكر شكل التاجر
قلت لا
فقال هل تذكر أمارة فارقة تذكرك به
فقلت بجوار دكانه نخلة
فقال الشيخ وصلت وأتى الله بك فقد كنت أنتظرك وكتبت أمرك في وصيتي وذاك أني بعت المحزم ب 50 ريالا وهذا هو ثمنه الحقيقي فأدخلت العشرة ريالات لك في تجارتي وقد نما لك منها شيء
ثم سحبني من يدي وأخذني إلى فضاء واسع في المزرعة مليء بالأغنام وقال هذه الأغنام كلها لك يا بني من عشرة ريالات قبل 20 سنة
اعترتني رعشة من أمانته
فقلت لا آخذ شيئا
فقال والله لا أتركك
فقلت النصيفة بيننا لترضى
فقال كما تريد فقد أزاح مجيئك عني هما طويلا
العجب كل العجب من الاثنين رغم طول الأمد
العجب من التاجر لأمانته ومن صاحب المحزم لسخائه
اذا اتممت القراءة لا تبخل بوضع اعجاب والتعليق بالصلاة على النبي صلى الله عليه واله وسلم ❤️❤️
0 notes
Text
المختار السوسي للمكي الناصري: "أمزغ ما عربته"..!
إلتقى الرجلان وجرى الإشتباك بينهم. حول تفسير النص القرآني، واحد ينتمي الى النخبة المدينية( نسبة الى المدينة) والأخر يجسد عناد البادية الجنوبية المغربية. الأول ينتمي الى فضاء لين ووفير، والثاني ينتمي الى فضاء جاف ويعاني من النذرة والكفاف. الأول يفسر بلغة مجال البعثة، والثاني يستعمل لغة الشعب الأصيل. ��جراء رأى فيه الاول بداية بزوغ حتمية تقويض التأويل المرتكز على الجسد العربي، ما يسمى بصراعات…
0 notes
Text
رائدا فضاء عالقان في المحطة الدولية حتى 2025
قالت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) الأربعاء إن رائدي الفضاء الأمريكيين باري ويلمور وسونيتا ويليامز قد لا يتمكنان من العودة إلى الأرض حتى عام 2025 بسبب مشاكل في كبسولة ستارلاينر الجديدة من إنتاج بوينج. جدير بالذكر أن ويلمور وويليامز موجودان على محطة الفضاء الدولية منذ يونيو، رغم أنه كان من المفترض أن تكون إقامتهما لمدة أسبوع واحد فقط. بعد إطلاقها من مركز كيب كانافيرال الفضائي في فلوريدا، تمكنت…
0 notes
Text
«ضحية بيت العز» هو عنوان لإحدى المسرحيات الشهيرة لسيف الفن المرحوم عبدالحسين عبدالرضا وكبار نجوم المسرح، كالفنانين سعد الفرج وسعاد عبدالله، حيث تناولت المسرحية بسيناريو درامي ساخر وضعا كويتيا عاما وضحايا بيت العز، اي بيت الجاه والمال.
بيت العز المقصود في المقال هو الحكومة، التي تملك خيوط اللعبة السياسية، وتملك ايضا المال، وهو من ثروات الدولة والضحية ليس المواطن بشكل مباشر، وإنما المال العام الذي هو من ثروات الشعب، الذي يتعرض للخسارة أحيانا، ويتعرض ايضا للهدر من قبل بعض المسؤولين على مستويات مختلفة من العاملين في أحضان عز الحكومة، فبسبب الهدر للمال العام ونتيجة عدم الالتزام باللوائح والقوانين، يتربع العديد من المواطنين وغيرهم من جنسيات اخرى ايضا على عرش من الثروات، التي كوّنوها بطرق غير مشروعة، على الرغم من حجم المخالفات التي يسجلها وينذِر فيها ديوان المحاسبة والجهات الرقابية الدستورية، من دون أي اجراء ملموس يذكر من قبل الجهات الرسمية المعنية.
فالمخالفات اصبحت أمرا اعتياديا تعود على من يعمل في عز وحنان الحكومة، وفي حال ما إذا وقعت الفأس برأس ثروات الشعب، تتخذ الجهات الحكومية بعض الإجراءات القانونية، ممكن ان يكون بعضها شكليا والبعض الآخر عمليا، ولكن غالباً الثغرات الادارية والقانونية كافية لحماية غير مباشرة للمفسدين والمنتفعين من أي محاسبة ومساءلة سياسية وقانونية ايضا، لذلك لم يدخل السجن الى اليوم وزير او مسؤول رفيع ونشرت صورهم الرسمية وهم يرحلون الى السجن!
حين شهدت الشقيقة الكبرى السعودية، بحسب تقارير صحافية عن الفساد، ضج فضاء الاعلام الالكتروني بالتمني ان تشهد الكويت وضعا مماثلا، خصوصا اننا نعيش في ظل نظام دستوري حدد إطار عمل السلطة الرقابية والتشريعية، وكذلك للسلطة التنفيذية، وهو دليل على تنامي شعور المواطن بالإحباط من حجم الفساد كل عام تقريبا، وقبل انتهاء دور الانعقاد التشريعي، خصوصا حين تتم مناقشة ميزانيات والحساب الختامي للوزارات والمؤسسات والجهات الحكومية التابعة، مصحوبا بتقرير للجنة الميزانيات في مجلس الامة وتقارير ديوان المحاسبة.
جرائم المال العام في الكويت اصبح لها تاريخ، فمنذ الغزو على سبيل المثال فقط وحتى اليوم، شهدنا سرقات في استثمارات الدولة في اسبانيا، وبعدها الناقلات، الى ان توسعت الدائرة لتشمل المؤسسة العام للتأمينات الاجتماعية، التي يفترض ان تنمي وتحافظ على اموال المتقاعدين من الشعب!
لم يتوقف تجاوز القانون وكسره عند المال العام ف��ط، وإنما ايضا شمل التعيينات في بعض المناصب القيادية ليس وفقا لمعايير ولوائح رسمية، وإنما وفق سياسات وقرارات حكومية، تسعى الى ارضاء بعض المتنفذين حتى لا تفقد ربما الحكومة سنداً لها في مجلس الامة، ولكن الظروف والتطورات الاخيرة برهنت على عدم صحة حسابات الحكومة، وهي ليست الحادثة الاولى، بل سبقت ذلك العديد من المفاجآت الصادمة للحكومات المتعاقبة، فيما ظلت الامور كما هي عليه، وكأن شيئاً لم يحدث!
اعلم ان هناك شرفاء في سلطة القرار الحكومي، ولكن هناك ايضا محيطاً من العابثين ومن يدفع بإضعاف القرار الحكومي وربما تغييبه احيانا حتى تصفو الساحة لمزيد من التخريب!
هل يعقل ان مثل هذه الامور والمعلومات غائبة عن ساحة الحكومة وحاضرة فقط عندنا؟!
نحن جميعا ابناء بلد واحد، ومن نسيج ومكونات مجتمع واحد، ونتطلع الى رقي وازدهار الكويت، وهو القاسم المشترك الذي يجمعنا، ولا نطلب المستحيل من الادارة الحكومية، وإنما ننتظر قرارا وعزيمة على اصلاح مسار العمل الحكومي، وهو اقل ما يمكن ان نقدمه جميعا لمصلحة الكويت وشعبها.
خالد أحمد الطراح
https://www.alqabas.com/article/586371 :إقرأ المزيد
0 notes
Text
ترسم بأصابع قدميها ويديها عشر لوحات معا والواحدة ثمنها 12000 ألف يورو
ترسم بأصابع قدميها ويديها عشر لوحات معا والواحدة ثمنها 12000 ألف يورو صدق او لا تصدق فإن هذه الفنانة تضع فرشاتين بين أصابع قدميها وأخريين في يديها و تستطيع رسم عشر لوحات في وقت واحد في متحف مدينتها فلاردينجن، في خطوة انطلقت في الأساس من تحدّ بين أصدقاء. من رائد فضاء إلى صورة بورتريه ذاتية مروراً بباندا يضع نظارات وسبعة أعمال أخرى، لوحات عشر موضوعة رأساً على عقب على الأرض، على طاولة وعلى حاملين،…
View On WordPress
0 notes