#آحاد موقوتة

[jamalsuleiman]

- أخشى أنني أفقدك الآن، لطالما حدثت نفسي بأنه يوما ما سترحل، لكن ظنوني السيئة كانت أسرع مما توقعت. ها أنت تشرع باب الرحيل الآن، وتطالبني بأن أقف بثبات ودون أن أهتز اهتزازا يسيرا رغم كل ذلك. ليتك لا ترحل .. على الأقل الآن. إن كل شيء يوشك أن يتداعى برحيلك. لا تجعلني أشعر بمزيدٍ من الفقد. لكني أقول لك لماذا ولا أنتظر جوابا، فقد يقف الإنسان أمام نفسه لبرهة يطرح الأسئلة دون أن يتلقى جوابًا شافيا كافيا. كيف يمكن أن ألوم صمتك. حسنًا .. ارحل الآن، وسأقف كما طلبت ألوِّح لك بيد وأمسح بالأخرى دمعي. ليتني لم أقل لك أني أحبك اليوم أكثر مما أحببتك بالأمس. ليتني تماسكتُ أكثر. = لكن على كل حال هذا لن يثنيني عن قراري. إن فرقتنا حاصلة دون أدنى ريبة أو أقل شكًا، إن كل شيء قد اتضح الآن. لقد انتظرتُ أن تتكلمي كثيرًا حتى أصابني القنوط، وعزف قلبي عن السعادة كما يعزف الفقير عن لقيمات الصدقة. أقولها لك الآن وكلي إصرار على أن تسمعينها جيدًا وبوضوحٍ كامل، وضوح لا يقبل الغشاوة، أنا لم أعد أحبك

[jamalsuleiman]

صدقني، إني أتألم مثلك تماما  يوجعني صمتُك، آهاتك المكتومة، صبرك النافذ، وبحيلة ناقصة ألوك أنا الآخر أوجاعي وأصمت

جمال سليمان

[jamalsuleiman]

ثم أخذت أخبره الطُرفة تلو النُكتة وهو يضحك ملئ شدقيه حتى أدمعت عيناه، فسألته: "هل أنت سعيد ؟" فسكت فجأة وتغيرت سحنته. لقد رأيتُ شخصا آخر غير الذي كنت أحدثه، شخصا ربما سارت الصخور فوق صدره وأنهكته.. إنه مُتعبٌ ولا يمكن أن أصف لك كيف كانت عيناه شاحبتين ووجهه متجهم كأن الموت يحوم حول رأسه.. وبكى.

[jamalsuleiman]

ملعون، إنني أتسبب بالأذى دائمًا لهم. أتراني ولدتُ شيطانًا؟

[jamalsuleiman]

لقد افتتنتُ بنفسي حتى أذهلني أن أجد شخصًا يكرهني. في الحقيقة أن الأمر كان يستحق، لولا أنني فقدتُ أجمل ما لدي في حادث فجائي، وأصبحتُ أراني بأعين الناس .. فصحوت

[jamalsuleiman]

إن الإنسان أحيانًا يروقه الألم ويميلُ إليه ميلًا كبيرا، بل إنه قد يبدو مغتبطًا له أكبر الغبطة ومسرورًا به أشد السرور، ذلك أنه يجدُ فيه لذةً كبيرة وتعزيةً عن كل الآثام التي اقترفتها يداه.

[jamalsuleiman]

لقد أوذيت في نفسي وليس ذلك بشيء، إلا أنني لم أعد قادرا على منح ثقتي لأحد. إن خِيار الناس وشِرارهم قد تساووا عندي. لم يكن الغرباء هم المشكلة ، بل إن أكثر من لحقني منهم الأذى كان من ظننتهم أقرب الناس لي، ولذلك لم يعد بي شيءُ من ثقة لأحد

[jamalsuleiman]

ها هي الأشياء تتداعى من حولي كما الحلم. إن الأحلام التي سقطت تتلوها الأشخاص تباعا

جمال سليمان

[jamalsuleiman]

مذكرات أول ليلة ثورة

الحادية عشرة مساءً

28 يناير 2011

الجو شديد البرودة، عزبة النخل الغربية تبدو وكأنها ميدان معركة منتفخ ومثخن بالأشلاء والقطع. بقايا الزجاج وعلب السردين والمعلبات والورق تكتظ بها الشوارع . جل�� عم فوزي أمام النار التي كنتُ أوقدتها منذ دقيقتين وأخذ يقلبها بعصاه مطرقا رأسه إلى الأرض.

نظرتُ إلى عينيه اللامعتين اللتين تعكسان شعاع اللهب الأزرق وفجأة نطق بعد صمت عميق:

"يا ابراهيم .. خدوا بالكم علشان كانوا بيقولوا انهم جايين من ناحية الأربعين. هجموا على محل جرجس الصايغ ونهبوه وذبحوا الراجل المسكين امبارح ومحدش عرف يعمل معاهم حاجة. هم مركزين نواحيها اليومين دول."

"انا مش تايه عن الجزيرة وناسها يا عم فوزي. وعارف ان معاهم آلي."

كان "إبراهيم" يقف على المتراس الذي نصبناه قبيل المغرب بدقائق وأغلقنا به شارع المدرسة وبيده ماسورة مياه تبدو عليها آثار الصدئ والاهتراء واضحة حتى في هذه الحلكة، لكنها لازالت تقاوم مثله.

" يا ولدي مهما كان متآمنش .. ممكن يجوا ف أي لحظة، فتحوا عنيكم والمهم انهم ميطلعوش أي شقة. تأكدوا ان ابواب العماير مقفولة بالاقفال."

استطرد عم "فوزي" قبل أن يعيد نظره إلى كوة النار التي بدأت تخمد شيئا قليلا.

قلتُ بصوت غلب عليه التعب:

" ما تطلع ترتاح يا عم فوزي واحنا قاعدين اهو .. احنا سبعة ما شاء الله وموزعين نفسنا بطول الشارع متقلقش. اطلع ريحلك ساعتين وعلى الفجر انزل وهات معاك اي حاجة ناكله."

قال بصوت مهيب:

- انتهت أيام الراحة يا ياسر يا ولدي. محدش عارف الأيام دي هنشوف فيها إيه تاني. اللي هربوا من سجن أبو زعبل أغلبهم من المرج القديمة وناس بايعة نفسها وف لحظة ممكن تلاقيهم قدامك. وف لحظة الجزيرة كلها تكون هنا. وانت عارف شارعنا كلهم ناس ملهاش في اللبش وانا عارف كم عيل من شبيحتهم لو حد جه هيعرفني ويمكن يعمل لي اعتبار وينقلوا على حتة تانية.

- انت طيب اوي يا عم "فوزي". انت فاكر انهم هيفرق معاهم حد دلوقتي. دول خاينين ممكن الواحد فيهم يدبح أبوه لو عارف انه هيورث.

ثم قبضتُ على النبوت وأملته على كتفي وبدأت أتذكر ما حدث قبل قبل يومين ...

[jamalsuleiman]

لونُ السماء غابرٌ يستنجد بالمطر والأرض مضمخة بالقتلى قررتُ أن أكون شظايا لأنجو من الخطر ولِأسبقَ الموتى

[jamalsuleiman]

لقد توفيتُ قبل قليل

كان كل شيء صاخبًا وفجاة تحول إلى سكون

لا أستطيع أن أصف هلعي الآن

أنا أمُرُّ الآن بمرحلتين آنيتين، الأولى: خروج الروح وصعودها إلى الأعلى وياله من أمر شاق، ثم سقوط الجسد وغمره بالتراب، وهو أمر لا أستطيع تحمله .

أما الثانية: فهي الاستعداد للسؤال.

هل أجرؤ أن أخبركم أيها السادة الآن عن عجزي التام عن القيام بأي عمل؟

.أنا صامتٌ الآن وليس مسموحٌ لي بالكلام، أو حتى الهمس.

أحاول أن أستعيد ذاكرتي. أرتب مرافعتي وأستجمع كل الأعمال التي قمت بها ولم أكن فيها ذلك الشخص السيئ الذي كرهت. أنا خائفٌ لحد لا معقول.

 لقد ثُقبت طبلة أذني وهم ينظفونني حيث أمالوني بعنف فسقطت على مسود الخشبة فاخترق أذيني وتسللت  دم قطرة واحدة لم يشعروا بها ولم يلحظوها حين غرقت وسط شلال المياه.

داست أيديهم بطني وكادت أن تخترق أحشائي وحشوا منافذي ومخارج الهواء في جسدي بالأقطان.

حملوني على الأكتاف وزجّوا بي إلى ��كانٍ بعيدٍ حيث لا يُسمع سوى أصوات غريبة هائلة الرعب تشبه صرخات الشياطين.

المكان موحش ومخيف وزادني هلعًا أولئك الذين رأيتهم في انتظاري.

الآن أنا محاصر .. ولا أعرف متى ستبدأ المحاكمة.

[jamalsuleiman]

أستطيع أن أسمع صمتك أقوى من أي صوت

[jamalsuleiman]

رحيل لا يأتي بالنوارس

-10-

لا شك أن أولئك الذين اعتادوا الألم أنقياء على الرغم من تعاستهم. لقد آمنوا أن الحزن شيءٌ بديهيّ، وأنه لا حياة خالية من الخذلان والجروح، وليس ثمة صدر لم يُثقب من قبل، وبداخله قلبٌ مُتعبٌ يئنّ.

#جمال_سليمان