Text
في ظلمة الليل الحالكة، السماء مرصعة بالنجوم وبالكاد ينير الهلال فيها، محاط بالرمال من كل جانب، وحيدًا في منتصف صحراء قاحلة، تبدو أشد بؤسًا من صحراء كربلاء وذكراها، وقف فارس غير مبالي بظروف المكان والزمان، أو لنقل اللا زمان واللا مكان، مد بصره لا يرى إلا دخان لفافة تبغه..
-مرحبًا..
تلفت فارس، رأى حُسنًا لم متكاملًا، طفلةٌ في عقدها الأول كما يبدو، ملامحها أنقى ما شاهدت عيناه، شعر مموج حتى نهاية ظهره، أسودًا، عيناها كعيني غزال كأحسن ما وصف العرب -لكنها أجمل- تميل ملامحها للسُّمرة، بأنفٍ أشم حادًا كنصل السيف، تسمر فارس في مكانه..
-ماذا تفعل وحيدًا هنا؟ قالتها ببراءة طفلة ودودة مبتسمة.
=من أنتِ؟
-أنا صِبا.. وأنت؟
=فارس.. ماذا تفعلين هنا أو ماذا أفعل أنا، على أي حال أنا ممتن لوجودي هنا ولكن، ماذا عنك؟
-لقد شاهدتك تقف وحيدًا فأتيت لنلعب. قالتها ضاحكة، ليكتمل حُسنها بتناسق أسنانها.
-لا أعتقد أنني أستطيع اللعب مجددًا. وأخرج دخان كثيف من رئتيه.
-فاااارس
انتفضت يد فارس فقد كانت لفافته انتهت من حرق نفسها، وبدأت بحرق أصابعه، أطفأها سريعًا.
-أين كنت؟ نحاول تنبيهك وأنت شاردٌ عن كل شيء.
=ما الجديد؟ قالها فارس بتهكم.
-ستسبب بكارثة بسبب شرودك يومًا ما!
=أنا من سأسبب بالكارثة في نهاية الأمر؟
-عدت للتفلسف؟
=معك حق، هل أنهيتم العشرة؟
-نعم؛ دورك لتلعب.
=حسنًا، من منكم يريد أن يخسر؟ يلعب معي.
ضحكوا حيث علموا أن المكسب في نصيب من يلعب معه، طالما قال هذه الكلمة..
انتهى مجلسهم من عشرات متتالية ربحها فارس وأيًا كان من لعب معه، وانصرف الجمع، كانوا أربعة بخلاف فارس، بقى فارس وحيدًا، حيث اعتاد بعد انصراف الجمع أن يبقى مع موسقاه وسجائره!
ما إن أعد قائمة الأغاني، وهمّ بالدخول إلى قوقعته، حتى رأى عليًا عائدًا إليه، كان يدرك أن هذا سيحصل، فعليٌّ هو الوحيد الذي يأخذه محمل الجد، وقد كان منذ شروده صامتًا يتابعه بصمت -قلقًا- وقد لاحظه فارس، رغم محاولاته العديدة لاثبات أنه لم يحدث شيء.
-أرى أنك كنت تنتظر عودتي.
=لنقل أني كنت أدركها ولست أنتظرها، فأنت تدرك قدسية قوقعتي.
-وأنت تعرف أنني لن أترك داخلها بشيء لا أعرفه.
=آآآه، أعرف، وطبعًا إن قلت لك أنه لم يحدث جديد، ستخبرني أنك تدرك أن شرودي هذه المرة كان مختلفًا عن كل مرة، أتدري رغم كرهي لملاحظاتك هذه إلا إنني أحبك، هل تكتفي وتتركني الآن؟
ثقبه عليٌّ بنظرته التي يعرفها..
=حسنًا حسنًا، سأخبرك..
وحكى له عن الصحراء والسماء والنجوم والهلال وطبعًا لم يُغفل صِبا..
أخذ عليٌّ سيجارة -كان فارس قد أعدها لنفسه- وأشعلها، قائلًا:
-لا أدري يا فارس لا أدري، أنت تنحدر تنحدر.. لا تغتر بشاعرية خيالك الخصب ودقة ملاحظتك، لقد بدأت بخلق عالم داخل قوقعتك تهرب إليه، ولا أنكر ضرورته، ولكنك تنسلخ من واقعك وهذا سيدمرك وأعرف أن الواقع هو من دمرك بادئ ذي بدء، ولكن الهروب ليس الحل ولا أعرف الحل أنا معك في المأساة، أنت تعلم، ستنسلخ عن نفسك وأصدقائك بانسلاخك هذا أيضًا.. ستنسلخ عني!
=أعلم أعلم، يئست المقاومة يا صاحبي، يئست وزهدت نفسي..
-تشعرني بالعجز دائمًا، ولكن أذكرك، أنت لا تيأس لست مخولًا بالانسحاب.. سأذهب وأتركك لقوقعتك!
=أشكر كرمك وعطفك.
"تاه وسط الزحام فكّر في أبعد مكان…."
هلّت الكلمات بموسيقاها في أذني فارس، وانساب الدخان القاتل إلى رئتيه، وتلاشى كل ما حوله، عاد إلى الصحراء، إلا أنه جد على المكان زرعةً صغيرة، تجلس أمامها فتاة -عرف فيها صِبا-
-ما هذا؟
=كنت أنتظرك.. هذه صبّارة صغيرة، نبتت هنا منذ قليل. هل تعرف أن الصبّار رغم شوكه الخارجه إلا أنه من أكثر النباتات صمودًا، أظن أنه يشبهك.
-يشبهني؟ كيف؟
=أنك صمدت هنا حتى وجدتك. وابتسمت له.
-وجدتك؟ هل كنتِ تبحثين عني؟
=كنت أبحث عمن يعكس روح الصمود والمقاومة..
-أنا الهارب أعكس روح الصمود والمقاومة!
=نعم فأنت جميل..
أمسكت بأناملها يده، ممتنة له..
=عادةً، لا أجد هنا غير جثث، أناسٌ هائمون، تنزف عروقهم الكثير من الدماء، أو مهشمين الرؤوس، وهم فقط يصرخون..
أما أنت كنت هادئًا جميلًا.
-فارس، فارس..
انتبه فارس لصبحي يهز كتفه..
-هذه المرة كانت أصعب. وضحك له
=هل دائمًا أنا آخر من يغادر!
كان المقهى فارغًا مرتبًا مطفأ الأنوار، لم يبقى أحد إلا هو وصبحي.
-دئمًا.. وهذه المرة دفع عليّ حسابك قبل مغادرتك.
=حسنًا، كالمعتاد أعتذر لك.
-لا تعتذر، أتمنى أن يكون كل الرواد مثلك.
غادر فارس، كان -لأول مرة- يريد أن يبادر لعليّ، يحكي له ما حدث، أخرج هاتفه واتصل..
-مرحبًا.. هل تعرف صاحب هذا الر��م؟
=نعم.. عليّ.. من أنت؟
-صاحب هذا الهاتف صدمته سيّارة ونحن الآن في الم��فى.. نريد الوصول لأهله.. هل تعرف؟
-نعم، سأتصل بهم وأنا في طريقي.
لم يكن ليخطر بباله -ولو للحظة- أن عليًّا مفارقه، لم يكن ليخطر بباله، أنه ذاهب ليلقي نظرة على جثة عليّ بلا روحه، كان كالآلة خلال إجراءات الدفن ومراسمه.. ينجز المطلوب، فقط!
كان عليًا رفيقه، هو الذي انتشله من وحدته بعد تخلي الأهل عنه، حيث أن أباه انساق إلى ملذات النساء بعد وفاة أمه بعد مرضٍ عضال، وماتت أخته الصغيرة من قلة الاهتمام، لم يكن يسعى إلى شيء غير كتبه وأفلامه وأغانيه، حتى تقاطعت طرقه، مع عليّ في إحدى المسرحيات التي حضرها..
-تبكي؟
=من أنت؟
-مرحبًا أنا عليّ..
=أنا فارس.
-كانت المسرحية مؤثرة قليلًا، يبدو أني مرهف. وجاهد دموعه باسمًا.
=أنت صبّارة كما يبدو..
هكذا بدأت الصداقة في واحدة من أصدق لحظات مشاعره، وهكذا انتهت، كما يبدو..
"مد إيدك يا صديقي، انتشلني من الوحل"
لقد ترك يدي..
هكذا قرر فارس، كلهم ذهبوا، وأنا أيضًا.. لم يجرؤ على إنها حياته "ستنسلخ عني!" كانت ترن في أذنه، يعلم أنه سينسلخ -في قرارة نفسه- عنه إذا انتحر..
استبدل المقهى بالخمارات، واستبدل الأصدقاء بالسكارى، واستبدل نفسه بالعدم..
كان في أول اليوم يتم عمله، بأقل مجهود لا يثير له المشاكل، يعود ليبدأ سكره، أمام أحد الأفلام، حتى إذا ما غابت الشمس، ذهب إلى خمّارة ليكمل ساعاته المتبقية..
-فارس!
=مرحبًا يا أحمد.
-كيف حالك؟ أين أنت؟
=دنيا..
-كان عليّ يحدثني عن فلسفتك، هل تعلم أنه أوصاني عليك لحظة الحادثة؟ كنت أكلمه لأعلم متى يعود للمنز��، فأخبرني أنك سبب تأخره، كان يحبك.
ترقرق الدمع في عيني فارس:
-وأنا كنت أحب أخيك، يا أحمد.
=ولا زلت يا فارس، اعذرني فأنا متأخر، ولا تحرمنا رؤيتك، فأنت انعكاس لروحه.
انصرف أحمد، وثبت فارس رغم مشيه! "ولا زلت!!" "انعكاس روحه!!" "أنت صبّارة.." " روح الصمود والمقاومة"، كلها عبارات تدور في فلك رأسه.. صِبااا!
ظل يدور في كافة المدارات في رأسه حتى غابت الشمس، نزل -كعادته- إلا أنه دخل إلى خمّارة جديدة هذه المرة، لم يكن يريد مرافقة السكارى..
بدأ الخمر يطوف في فلك أفكاره، تلاشى المشهد، حلت السماء المرصعة بالنجوم، بالكاد ينير الهلال.. صِبا تحاول ريّ الصبّارة..
-صِبااا
التفت، كان الدمع منهمرًا على وجنتيها، عيناه حمراوتان، هالات سوداء تحيط بهما.
قالت منتحبة:
=لماذا؟! لماذا؟!
تسمّر فارس:
-م مم مات عليّ..
=لم يمت! ها أنا أحاول إنقاذه قبل أن تقتله بحماقتك!
-لم يمت! أقتله؟ لا أفهم.
=لأنك أحمق.
"أنت صبّارة.." " إنه يشبهك.." " روح المقاومة والصمود" "انعكاس لروحه" "لا زلت تحبه"..
انهار فارس على الرمال، أخذ يبكي بحرقة، وعلى نحيبه، حتى عجز عن التنفس:
-أنا أقتله.. أقتله.. أقتله
أحس بيدٍ على كتفه، رفع رأسه، برغم عينيه المملؤتان بالدموع وتشوش الرؤية:
-عليّ.. عليّ.. لم أقتلك.. لم تمت!!
=أنا أعصى من أُقتل على يديك. بابتسماته المعهودة المازحة.
ابتسم فارس وانتفض إليه ليضمه، فتلاشى عليّ، هدأ نحيب فارس واستمرت دموعه..
-لقد فعلت ما بوسعي لابقاء الصبّارة على قيد الحياة، وأنا ضعيفة، هل لك أن ترعاها؟
كانت صِبا مبتسمة، جميلة بما سمحت له بقايا الدموع ..
-أرعاها وأرعاكِ وأرعاه، لقد فعل ما بوسعه، زرع روحه في روحي، حياته من حياتي، وبقائي من بقائه كما يبدو، بقايا روحه الخالدة، تكمل بقايا روحي الفانية.. لم يمت بل هو إلى خلود وأثره خلودي.
=هل نلعب؟
-نلعب. وابتسم.
اكتمل البدر، وأشرقت الشمس، ولمح واحةً على مسافة حياته من الزمن، حمل صِبا وشد رحاله إليها.
-سيدي، سيدي..
=آه، المعذرة، كم الحساب؟
-لقد دُفع، ننتظرك في مرة أخرى.
ابتسم:
-لن تكون هناك مرةً أخرى، سأسير معهما إلى الواحة.
1 note
·
View note
Text
اجتمع الأحفاد في حلقة حول الجدة كما اعتادوا، إلا أن هذه المرة كان الحماس يأخذهم حيث وعدتهم الجدة بأن تقص عليهم أسطورة الفتاة الحسناء أمل التي يهيم بها كل أهل الحارة.
كان فؤاد أكبرهم، أتم ليومه الحادية عشر، بجانبه جلست سعاد وكانت في التاسعة من عمرها، بجانبها كان إمام يصغرها بدقائق، مستندة إلى رجليه مدللته فاتن في السابعة من عمرها، وكان عمرو يعبث بوجهها وشعرها كعادته قبل بدء الجدة لحديثها وكان قد قارب من إتمام السادسة من عمره، وفي أحضان الجدة كان لؤي ينعس وكان في الثانية من عمره.
تنحنحت الجدة، استرعت انتباههم جميعًا، توقف عمرو عن العبث واللهو، وتمكن النوم من عيني لؤي.
-كان في سالف الأزمان، في حارتنا حيث تلعبون وتأكلون وتشربون، رجلٌ حكيم يدعى براء، لم يكن كما تصورتم رجلًا عجوزًا غزا الشيب رأسه، مستندًا على عصاه، بل كان شابًا في بداية الثلاثين، كان على دراية بعلوم شتى، كان يقصده أهل الحارة في كل شئون حياتهم، حتى طلع يومًا محملًا بزاده، راكبًا فرسه، معلنًا أن مرتحل، يبحث عن شيء يفقده لا يعرف ماهيته، فشلت جميع المساعي والمحاولات في تثبيط عزمه، كان قد أعد العدة بالفعل!
غاب فغاب وغاب ثم غاب، لم يبقى منه إلا اسمه، مات الشيوخ، وشيخ الشباب، وشب الأطفال، حتى هل علينا شيخ كثيف الشعر غزاه البياض، متكئًا على عصاه، بجانبه فتاة في العاشرة تقريبًا، مليحة كما القمر، كحيلة العينان، كانت عينا الغزال، مرسلةً شعرها الطويل المائل إلى الحُمرة، شُده أهل الحارة، إذ كان ظهور أحدهما كفايةً لإثارة الأسئلة، فكيف ظهر الاثنان سوية!
-ألم تعرفوني؟ صاح الشيخ ضاحكًا. -أنا براء.
وما إن أعلن اسمه، حتى بانت ملامحه في أعين أهل الحارة، وهل عليه الشيوخ والشباب حاضنين له، والفتاة باسمةً ممسكة بيده أو بالأحرى كان هو ممسكًا بيدها، أجلسوه في مضيفة شيخ الحارة وبعد السؤال عن أحواله التفتوا صوب الفتاة
-هذه أمل نور حياتي، هؤلاء أهلي وناسي يا بُنيتي.
ابتسمت خجلًا، وخبأت وجهها في أحضانه، ضحك الجمع وقال أحدهم مداعبًا:
-تخليت عن زهدت في النساء وتزوجت وأنجبت!
=لا، إنها ليست من صُلبي ولكنها قدري!
بعد أن رحلت عنكم، اقتطع طريقي عصابةً أسرتني وكانوا يشتغلون في تجارة العبيد، أدركت مصيري وسلمت له حيث قد أجد ما أبحث عنه في عبوديتي، وما إن نام القوم، حتى ظهرت بحسنها، فكت القيد ودلتني إلى فرسي وطريقي وما أن التفت أشكرها، كانت قد اختفت!
سلكت طريقي ونزلت على بلدة يحكمها طغاة، بدأت بحثي، حتى اهتدت قدماي لبيت مهجور في ضواحي البلدة ينير إنارة خافتة على جمع من الثائرين الغاضبين، جلست وسطهم علمتهم من علمي وأسديت لهم النصح ووضعنا خطة محكمة للإطاحة بالطغاة، لكن كان بين الجمع خائن وفي عشية يومنا المنتظر كنا جميعًا خلف أسوار السجن كل منا في زنزانة ينظرنا الموت، ربما كنت أبحث عن الموت!
ظهرت مرةً أخرى في سنة من السجان لتحل وثاقي وترشدني وتختفي!
سلكت طريقي، حتى اهتديت إلى أخد دور العبادة، وبقيت أتعبد وكلما نقص زادي زاد زهدي، حتى لم يبقى لي كسرة خبز أو شربة ماء، وهن جسدي وغيّم عقلي، وغاب وعيي، لأراها في المنام تسقيني أطيب الشراب، وتطمعنى ألذ الطعام، أفيق في وسط مدينة أمام مكتبة بما يكفي من القوة لمواصلة الحياة.
دخلت المكتبة لعلي أجد ما أبحث عنه بين الأرفف والكتب، حتى أتيت على كل صفحة منها، ولم أجد ضالتي، مرةً أخرى تظهر، تشير بيدها إلى أحد الأرفف، لم أفكر لوهلة، تحركت يدي باتجاهها، أمسكتها، وتحركت عيناي بقوى الفضول الحيث أشارت لأجد انعكاس صورتها المبتسمة وصورتي المنهكة!
-من أنتِ؟
=أمل
-من أين أنتِ؟
=منك! منذ ركبت فرسك وبدأت البحث!
هل تتخيلون، كنت أبحث عنها وهي مني وفي نفسي طول الوقت، احتضنتها ورجعت إليكم علها تقيم حياتكم كما أقامت حياتي، والآن أنال قسطًا من الراحة، وأزودكم في الصباح.
ما إن دخل عليه أخدهم صباحًا حتى كان قد فارق الحياة مبتسمًا، وأمل اختفت، جد الباحثون عنهم بلا أثر، تكاثرت الأقاويل حول مكانها، آخرهم قال أنه وجدها، في جنةٍ من الأرض يحدها الأسوار العالية، حيث يعم الخضار والزروع، وتغرد الطيور، وتستأنس الحيوانات.
لكني أظن أني وجدتها…
رفعت الجدة بصرها، لتجد الأحفاد جميعهم في سُبات عميق، ابتسمت سأتمهت عليكم غدًا، طبعت قبلتها على جباههم جميعًا وغطتهم واطفأت النور.
*******************************************************
بعد خمسة عشر عامًا
-لكني أحبها!
=ماذا تفعل بحبك وأنت لا تملك شيئًا يا إمام؟
-ألم يكفك سرقة ورثنا من أبينا؟ ازدهرت تجارتك وملكت مال الحارة وتستطيع الزواج بمن تشاء، ألم يحلو في عينيك غيرها، متى تراعي الدم بيننا يا فؤاد؟
=إذا ضممت تجارتي لتجارة أبيها، ملكت حارتين! أبوها موافق وهي موافقة، خانت رفقتك وحبك من أجل مالي فانصرف عني!
طأطأ إمام رأسه وهم بالمغادرة
=لتعلم أني إن لم أتزوجها ستسلك مسار سُعاد، وتبيع جسدها مقابل المال، أو تسلك مسار مدللتك فاتن وتهرب بعيدًا لترى نفسها ناجحة في أعين الغير!
غادر إمام الغرفة مهمومًا وجلس يبكي في غرفته، حتى طرق عليه الباب عمرو ودخل عليه
-لتزهد في الدنيا ونسائها يا أخي وهلم معي إلى مسجد فهو ملجأك وملاذك الأبدي، لا يغلق في وجه ساعي.
=ابتعد عني!
انصرف عمرو، كان آخر حديث له في الحياة، حيث ما إن دخل المسجد مبكرًا كعادته، حتى استعرت النار فيه، حاول أهل الحارة إخراجه إلا أن محاولتهم باءت بالفشل، وسمعوا صوته من الداخل، يثبط عزمهم مستسلمًا للنار "لعلها أمل"
كانت هذه أولى مصائب الأسرة، حيث لم تمضي أسابيع حتى حضرت سكرات الموت إمامًا، من شدة الحزن والإضراب عن الطعام والشراب، كانت آخر لفظاته "كانت لي أملًا"
مر شهر، كان فيها فؤاد يجهز نفسه لعرسه الذي تأجل بسبب الفاجعتين المتتاليتين، تم الزواج .
أحس لؤي بعدها، أن أسرته تكاد تنقرض، فذهب أول ما ذهب إلى منطقة الضباع ليلقى سُعاد.
بعد الترحيب المتبادل وفرحة سعاد بلؤي سألها: -لماذا؟
=كنت أبحث عن أمل!
-من أمل؟ هل هي نفسه التي تمناها عمرو وهو يحترق، والتي حسبها إمام في سكراته؟
=نعم، هي ولكني اكتشفت أنها أسطورة. وقصت عليه القصة، لم تكد تتمها حتى دخل رجل غاضب كاسرًا الباب.
-اذهب أنت الآن يا لؤي.
=ولكن…
-اذهب قلت لك.
ما إن خطى بضع خطوات، حتى سمع صوتها تصرخ "إياك أن تعود فأنا تخليت عن إخوتك منذ زمن" تلاها طلقة مسدس!
ركض لمنزل فؤاد، ليسمع سُباب وعراك بين أطرافٍ ثلاثة، يطغى صوت فؤاد "لم تكوني لي سوى محطة للوصول لأمل، وخابت" تلاها ثلاث طلقات!
دخل لؤي ليرى زوجة أخيه بجانبها رجل غريب بلا ملابس تقريبًا، قتلى. وجسد فؤاد على الأرض هامدًا وفي يده مسدس.
اضطرب لؤي أشد اضطراب، لم يبقى له سوى فاتن، جد باحثًا عنها، حيث كان لا يُعلم لها طريقًا، وما إن وصل بيتها، طرق الباب لم يجب عليه أحد!
انتباته الوساوس، كسر الباب ودخل، وجد أخته ممدة على السرير، منزوعة الروح بجسد بارد، عرف من مكان عملها وجيرانها أنها كانت تبدو عليها أمارات المرض فتركوها لتسترد عافيتها، لكن يبدو أن الله استرد روحه!
وكان على حائط غرفتهت بالخط العريض "أمل"
عاد لؤي إلى غرفته مكسور الجناح هائمًا مغيبًا، تناول ورقة وقل��، كتب رحلته في البحث عن سنده، ذيل ورقته "يبدو أن أمل تقتل الباحث عنها، أو ربما هي الموت بذاته، لذا سأذهب أنا إليها"
وتناول شفرته وقطع شرايين يده، وغاب عن العالم!
كان أحب الأحفاد لقلب جدته، لم يدعها أهل الحارة أن تراه، لكنها لدى دخولها الغرفة رأت رسالته، ما إن أنهتها حتى كانت عيناها تنهمر بالبكاء!
ذهبت إلى قبره، أي بُني أنا من قتلكم! نسيت أن أتم عليكم القصة، كيف وجدت أمل في حُب جدكم وإخلاصنا لقصتنا، كيف وجدتها في مساعدتي للمحتاج، وصبري على الشدائد، في حبي لكم وعطفي عليكم، كيف وجدتها في الابتسامات والدموع، كيف وجدتها في كل ما حولي، فهي منا!
"منك، منذ ركبت فرسك وبدأت البحث!"
وفاضت روح الجدة على قبر لؤي حزنًا.
5 notes
·
View notes
Text
المشهد الأول
في إحدى دور العبادة، حيث نسيم الهواء يطوف بالروح في الأرجاء، والطير يرفرف بأجنحته في مد بصره يعلن السلام، وصوت عذب يتلو ويترنم متواصلًا بنافخ الروح، همهمات الجالسين، ولعب الأطفال، الابتسامات ودموع الخاشعين، تعم السكينة، ممدًا على الأرض يفيق من نعسةٍ أصابته، تعود روحه لقفصها!
اعتدل في جلسته، تطلع حوله، لم تكن روحه قد أدركت إغلالها من جديد، ذهب ليغتسل من الماء المقدس، أملًا بتحلي جسده بحرية روحه حتى لا تشعر بالغربة!
كان الناس يجتمعون في حلقة حول الإمام المقدس، مؤذنًا للآذان بخشوعها وانسج��مها مع الأرواح، اتخذ مجلسه مع الجالسين.
"عليكم أيها الإخوة والأخوات، الأبناء والبنات بالزهد، فالحياة غرورة، والجسد دنس، والملذات والشهوات والرغبات هي من أخرجت أبانا آدم من الجنة، إن الأموال والمأكل والمشرب والنساء والمناصب والقصور ورغد العيش من الشيطان وهو يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء، ما إن تنفروا من أجسادكم حتى تلوذوا بأرواحكم، وما إن تلوذوا بأرواحكم حتى تتصلوا بنافخها جل في علاه…"
خفت الصوت في أذنيه حتى غاب تمامًا عن الوعي!
المشهد الثاني
زحامٌ شديد، تلتصق الأجساد ببعضها، السيارات تطلق أبواقها، أصوات سُباب وشجار ضحك وقهقهات، مكبرات الصوت تطلق كافة أنواع الموسيقى والأغاني، كان التحام الأصوات نشازًا في أذنية!
جلس على طاولته شبه غائب عن الوعي، كان الطعام أمامه، انكب عليه لا يعلم ما يأكل ولا أين هو هو فقط يلبي رغبة جسده!
-منذ متى لم تأكل؟
كان أحد الجالسين يحادثه بعد أن تعجب منظره!
=لا أذكر
-ممم، فلتتبع الطعام بالشاي، وإليك سيجارة حتى يكتمل شبعك .
شرب الشاي، وأشعل السيجارة، شعر بأنه يملك الدنيا وما عليها، استقرت كافة الهرمونات والرغبات وهدأ عقله وانسجم بالمكان المحيط، فهم ما تصدره مكبرات الصوت من أغاني، وبدأت أطرافه تتمايل مع اللحن.
خرج إلى الضوضاء والشارع وما إن خط خارجًا، حتى سمع "انتبه!" مع صوت احتكاك الإطارات بالأرض، ثم غاب عن الوعي!
المشهد الثالث
في غرفة بسيطة الحال، فتح عينيه كان الدخان يملأ المكان، بدأ يسعل وكان نفسه متقطعًا.
-أفقت؟
كان محدثه أحمر العينين، ملامحه هادئة، تعلو البسمة شفتيه.
=أحس بوجع في رأسي.
-إليك هذه الجوزة، ستذهب عنك كل الوجع.
بدأ بالشرب حتى هدأت أوجاعه، وأحس في هذه الغرفة المعزولة المعتمة أنه طائر يحلق في السماء الواسعة وأخذ يضحك!
=أريد التحليق أكثر!
-إليك هذه.
ناوله زجاجتان مركبتان في بعضهما، يملأ الماء ربعها تقريبًا عليها ما يشبه الفخار وبعض الجمرات!
تعجب من منظرها حتى علم طريقة استنشاقها، أخذ يطير ويعلو، حتى أحس بالدوار وغاب عن الوعي!
المشهد الرابع
شعر بحركة بجانبه، من يداعب رأسه، ويحتوي جسده، فتح عينيه، وقع بصره على وجه حسن يبتسم له، لم يستطع وصف جمالها من شمس وقمر، استكان في لحظتها، ارتمى بين ذراعيها ودفن رأسه في صدرها وأجهش بالبكاء، حتى ذابت الصخور من على قلبه، رفع رأسه ليراها هادئة باسمة، أعينها حزينة رقيقة، تلاقت الأعين في نظرات حنونة، كان الوجه قبالة الوجه، تقارب الوجه من الوجه، تلاقت الشفاه والتحمت، كانت دقات قلبه تعزف الألحان في داخله وتراقص جسده بجسدها، يخيل للناظر من بعيد أنه جسد واحد يتراقص رقصة الأزل والأبد على نغمات الجسد الصامتة للأذن، المتلاعبة بحركة الأجساد.
وما إن انتهى اللحن، حتى أحس بالخواء من حوله، بدأت ألحان قلبه تعزف من جديد، إلا أنها لم تجد العازف، تراقص جسده من غير من يراقصه، لم يشعر إلا بضربة قوية على رأسه ليغيب عن الوعي!
المشهد الخامس
في غرفة مهيبه، أفخم أنواع الأثاث، أفاق وكان على فراش وسيع مريح، خرج من الغرفة إلى أخرى، وجد أمامه أرفف كثيرة ممتلئة بزجاجات عديدة من مختلف الأشكال والألوان، وفي الوسط جلس رجل في يده كأس يدندن، وما إن رآه حتى ناوله كأسًا معدًا، أحس بالمرارة في فمه إلا أنه أحس بالهدوء في رأسه، صوت العدم!
أخذ كأسًا فالآخر، لا أحد يدري عن شعوره شيئًا إلا أنه استمر في الشرب، حتى استفرغ وسقط مغشيًا عليه!
المشهد السادس
أرفف مملوؤة بالكتب، وأخرى بالاسطوانات، وأخيرة بشرائط فيديو.
بدأ بالاسطوانة وشغلها وانسابت روحه في عالم آخر، كما كانت تنساب في أذنيه الألحان، وجد روحه بين سطور الكتاب اللذي تناوله، غاص في الأعماق وتشكلت حوله عوالم لا يعلم عنها شيئًا عنها!
كانت عينيه مسمرة أمام شاشة العرض، تمتزج أمامها الألوان والمشاهد المعروضة من شريط معروض، كان يحاور من أمامه أو نفسه!
تحرك جسده إلى خارج هذا المكان، تعرضت أذنيه وعينيه لصدمة غفل عنها، اضطربت روحه وسقط على الأرض!
المشهد السابع
في يديه سلاح، مجهز لاستعمال دائم، والعديد من الزجاجات الحارقة!
وقف أمام الأرفف التي أوهمته عن الحقيقة، دمعت عينيه وأشعل النار فيها وذهب.
كان القصر ببريقه وخطف للأبصار أمامه والرجل في استقباله، مد الرجل يده بالمصافحة فمد يده بالسلاح وطلقة في رأسه، لم تكن أرفف الزجاجات إلا لمصدر نار من قداحته ليشتعل القصر عن بكرة أبيه وذهب.
حاول يائسًا الوصول للفتاة التي راقصها إلا أنه لم يجدها، ولم يهتدي لطريق أين كان وقتها فحمل خوائها في قلبه وذهب.
كان الوصول للغرفة البسيطة صعب، إلا أنه وصل ووجد الرجل على حاله بعينيه الحمراوتين، بادره بالطلقة ليصبح الأحمر لون رأسه كله، ولم تكن الغرفة بحاجة لإشعال نار فيها وذهب.
كان الجمع يطلق الضوضاء كما تركه، حمل سلاحه وأخذ يطلق على الجمع الغفير ليسقط كل من لم تسعفه نفسه بالفرار وأخذت أصوات انفجار السيارات بديلًا عن أبواقها تعلو على صوت النغم الذي سكت شيئًا فشيئًا، وأشعل مكان مأكله ببضع زجاجات وذهب.
كان الطير يطير، والأطفال تلهو والبسمات كما تركها، وقف في منتصف الساحة، استعد للإطلاق إلا أن روحه لم تطاوعه، وانهالت دموعه وعلا صوت نحيبه، التم الكل حوله حتى الطير، في لحظة كانت طلقته الأخيرة شقت طريقها لمنتصف رأسه وذهب!
المشهد الثامن
ممدًا لا يستطيع تحريك أطرافه، محدد المكان على جسده، إلا أنه أمامه الفضاء منقسم، مساحات خضراء ومروج وبحار وأنهار وجبال مع الواحات، وقسٌ مظلم لم يستطع تمييز ملامحه!
-عن ماذا تبحث؟
=عن روحي.
-وجدتها؟
=اعتقد! لكني لم أهتم أو يخطر ببالي مآلها!
-اذهب، انسجم مع روحك ولا تغفل مآلها.
وذهب.
3 notes
·
View notes
Text
اشتهرت حارتنا بسيدتان، قمر وشمس، كانت أفعال أهل الحارة وتصرفاتهم وكلامهم وأفكارهم متمحورة حول السيدتان، وكانت كلتاهما تستمدان وجودهما من الأخرى.
كانت قمر هادئة رزينة، مليحة، اختلف في وصفها أهل الحارة، كلٌ يراها بعينه، ولم يرها الكثير!
كانت تسكن في بيت هادئ، بعيدًا عن ضوضاء حارتنا، لا تكاد تُرى في الحارة، بيتها في مكان موحش ملئ بالغربان والأبنية المتهدمة، والورد الذابل، وشجرٌ بلا أوراق، لم يكن يتحدث عنها بخير سوى القليل من شيوخ حارتنا!
أما شمس فلا تكاد تعرف ملامحها من كثرة مساحيق التجميل، كانت مبهرجة في زينتها وفي ملبسها، كانت تسكن القصر الأوحد في الحارة، تملك العديد من البيوت والحانات والمقاهي وحتى بيوت الدعارة، تمتلك العديد من العلاقات، يتهافت عليها أهل الحارة جميعًا ��غارًا وكبارًا نساءً ورجالًا، لم تكن تحبهم بل كانت تحب تهافتهم!
نشأ وائل بين أبٍ يقدس شمس، وأم تغار من شمس لكنها خاضعة لرجلها، ممتنة لرجوعه للمنزل في نهاية كل يوم !
كانت أخته الكُبرى هناء حبيسة المنزل لا تعلم بأمر شمس ولا قمر، كان الأب حريصًا ألا تقع ابنته الوحيدة في براثم شمس، وأن تستطيع إغوائها كما أغوت أغلب بنات الحارة ممن له معهن، كما كان يخشى عليها من قمر، إذ كانت سُمعة قمر أن من يزورها لا يعود ولا يُستدل له على أثر!
نشأت هناء على انتظار فحل يأتي لشرائها ليعيد قصة معاناة أمها مع أبيها وخضوعها له.
كان لوائل أخٌ أكبر لم تشأ الأقدار أن يراه، لم يكن يعرف عنه سوى نداء أهل الحارة، لأبيه وأمه بكنيتهما، فعرف أباه بأبي الحسين، وأمه بأم الحسين.
كان وائل فضوليًا منذ صغره، وكثيرًا ما سأل وتمت الإجابه، وكثيرًا ما سأل ولم يجد جوابًا كافيًا إلا أن سؤالًا واحدًا أرقه من هو الحسين؟
شب وائل وسط أصدقائه، كانت البداية في مقاهي شمس، حيث لذة أول سيجارة ومحاولة الاختباء من المعارف حتى لا يصل الخبر لأبيه، ثم لذة أول مشروب مسكر، وأول مرة طرق باب بيت من بيوت الدعارة، لم يكن يغرق في اللذات بل كان يأنفها، لم يجد اللذة التي وجدها أقرانه بتاتًا!
عرف وائل على مدار سنينه، العديد من الأصدقاء من كل جنسٍ، كانت علاقاته جميعًا بأصدقائه نقية وصافية ولم يكن يكتب لها الاستمرار، لم ينجو معه سوى عمّار، عرفه منذ الصغر، يوم أن كان كل ما يجمعهما الكرة، والمرمى المحدد بالحجارة!
كانت جلساتهم متكررة، على المقهى أو في حانة، كان المقهى أكثر ارتيادًا لعزوف وائل عن الحانات، إلا أنه في أحد الأيام كانت الحانة تجمعهما، كان فيها رجلًا وحيدًا شاردًا في منتصف الثلاثينات، كانت عيناه حزينتان إلا أنهما كانتا صافيتان، غزا الشيب رأسه، كان شعره طويلًا وغير مهندم، كان الشعر على وجهه غير مهذب، كأنه بستان أهمل منذ زمن، كان يشرب كأسًا، يندمج مع الموسيقى الصادرة، ويدندن..
-مرحبًا، أنا وائل.
نظر إليه الرجل بترقب!
-لقد جذبني منظرك. سحب كرسيًا
-أتأذن لي؟
أشار الرجل بيده موافقًا
-أنت الوحيد الذي أستطيع أن أبوح لك بمكنون نفسي، لا أستطيع البوح لصديقي، أريد البوح لغريب، أعرف أن صديقي ليس لديه إجابة، ربما أجدها معك، خبرني كيف تجد شمسًا؟
اتسعت عينا الرجل وانطلقت أساريره.
=هل تبغض شمسًا؟
-لا، أبغضها ولكني لا أجد لها معنى، ليست هي فقط! الملذات والاستمتاع وفقط! أين هي الغاية والأهداف؟ أين هو العدل؟ وأين هي الأمانة والتضحية والشجاعة؟
=كل هذه الأسئلة تجد إجابتها عند قمر!
ظهرت معالم الدهشة والخوف ��لى وجه وائل
=ها؟ أتخشى الإجابة، أم هي وساوس زرعت في رأسك؟ هل تعلم عنها شيئًا؟ لا تجب، لأن إجابتك ستكون بالنفي أعرف، لم تخشى ما لا تعرفه، دعني أخبرك شيئًا عن قمر، أن الحل دائمًا عندها، إلا أنه لا يجب الذهاب إليها بل هي تأتي إليك! في نهاية المطاف هي تأتي، اللغز كله في أنه كيف تأتي إليك، تحلى بصفاتك التي تبحث عنها ستجدها تأتي لك بالجواب… بدأ الشاب يسعل كثيرًا، وبصق دمًا
=رحم الله حسينًا..
-ماذا هل تعرف حسينًا؟ أخبرني.. أخبرني!
=شمس.. شمس
ثم صعدت روح الشاب إلى خالقها، انتشر الهلع وارتفعت الأصوات في الحانة.. إلا أن وائل كان مسمرًا مكانه، لا يتردد في ذهنه سوى (قمر - حسين - شمس)
اكتمل المثلث في رأس وائل، كل اسم يصل بالآخر ليكشف له في النهاية المعنى والغاية!
قص وائل على عمّار قصة الشاب وما دار بينهما، ذهل عمّار وثار الفضول في نفسه، إلا أنه آثر السلامة عن الغاية، ونصح وائل محبًا عن يتجاهل ما حدث، حتى تتسنى له السعادة.
عاد وائل لمنزله، ليجد أمه تبكي بجانب رأس أبيه المخمور وهناء تطالع المشهد ببلاهة، يدخل غرفته ليفكر، توصل لقرار بأنه يجب معرفة من يكون حسين أولًا فهو الحلقة الأقرب للوصل بين كل هذا العبث، إلا أنه لا يجد من يخبره عنه، تذكر آخر كلمات الشاب (شمس.. شمس) ليربطها باسم أخيه، وقمر كان قد حُذر من الذهاب إليها، قرر الانغماس مع عمّار وباقي معارفه في لذاتهم ربما استطاع أن يصل لشمس، انقطع عن المقاهي وارتاد الحانات وبيوت الدعارة، كان عزوفه واشمئزازه عن الشراب والنساء، عاملًا مهمًا ليُذاع صيته، وأصبح مطمع الفضوليين والراغبين، من هذا الذي يرتاد الحانات ويأنف الشراب؟ من يرتاد بيوت الفتن ويأنف النساء؟ حتى وصل اسمه إلى شمس ثارت من هذا الذي يزهد فيها ويأنف تجارتها وهو في عقر دارها!
مكرت مكر امرأة العزيز بيوسف -عليه السلام- أعدت له القصر مُزين بكل بهارج الحارة التي تخطف الأنظار، ملأته بأجود أنواع الشراب، وتحلت بأبهج حُليها، استجاب وائل للدعوة وذهب عازمًا على استخراج الحقيقة من شمس أيًا كانت التنازلات، أوهمها بشربه معها حتى ذهب عقلها، أقنعها بأنه لبى إحتياجها منه، وأنه طوع أمرها، ولما التقطت السمكة الطعم، سحب سنارته.
-هناك أمرٌ يشغلني!
=ما هو يا أحب الشباب إلى قلبي؟
-لماذا يدعون أبي، بأبي الحسين؟ مع إني ابنه الذكر الوحيد، وهناء هي ابنته البكر؟
=آه يا حبيبي ألا تعرف قصة أخيك، وما جلبه من عار على أبويك وحارتنا؟
-لا!
=حسنًا، كان أخوك مارقًا، كان وسواسه الأعظم هي تلك الساحرة قمر، كان ينشد حسنها في كل مكان، كان يرى أن أهل الحارة مسحورين بسح��ي، مضللين بضلالي، أتتخيل أنني أنا شمس ساحرة وضالة؟ ها! كان ينشد بحياةٍ يحياها الإنسان مختلفة عن حياة الحيوان التي يحياها أهل الحارة! ما إن يرى متسولًا يجوب الطرقات حتى يسرع لمساعدته، ما إن يراني أطرد موظفًا بليدًا حتى يثور ضدي ويحاول استقطاب تعاطف أهل الحارة، كان أول شاب ينادي بحسن قمر، لم يكن قبله سوى بعض العجائز الذين خرفت عقولهم، كان يكمن في الشوارع ليلًا ليحارب رجالي الذين يكمنون في طرقات السكارى ليكسبوا لقمة عيشهم، كان ينادي بالفوضى دائمًا، إياك أن تكون مثله يا لولي.
كان وائل يسمع مندهشًا من سيرة أخيه العطرة، التي كانت تطوف في رأسه قبلًا، هل ورثه أخوه أفكاره قبل موته؟
-وكيف مات؟
=في يوم تعدى حدوده، كانت قبلًا تشتعل حرائق في أملاكي لا نعرف مصدرها، حتى شددنا الحراسة في يوم على آخر ملك كان لي، فإذا بأخيك وفي يده زجاجة حارقة يقذفها على الحانة، كانت أكبر وآخر حانة قد بقيت، اشتعلت النار سريعًا، لكن رجلًا من رجالي بادره بطلقة، في منتصف رأسه أراحنا منه ومن شره، آه لو تعلم كم استغرقت من مجهود لأعيد بناء الحارة، وكم كان المجهود أكبر لنزع أفكاره من رؤوس أهلي الطيبين؟
كان وائل يمتلئ فخرًا بأخيه، ويصمم على تكملة مسيرته، إن كان أحدًا قد سبقه في ذلك، فهو على ذلك قادر!
غادر وائل القصر مسرعًا، عاد إلى المنزل، كانت أمه نائمة، هناء هائمة، وأبوه لم يعد بعد، ذهب إلى المكان المحرم في المنزل، غرفة مغلقة، اقتحمها، أخذ أغراض أخوه، كان من بينها مذكراته!
سكن الشارع بعدها، يدرس قرارات أخيه، يحاول اصلاح أخطائه، بدأ بالدعوة قبل العنف، كان يريد نصرة المظلوم، إيواء الفقير، الرفقة بالنساء لما رآه من عجز أمه وقيلة حيلة أخته، أراد من أهل حارته أن يعرفوا معنًا لحيواتهم، نفر الناس منه حتى المقربون، تحاشاه عمّار، أصابه اليأس ونالت منه الوحدة.
في يوم بائس. بعد أن لفظته الأرض وأغلقت في وجهه أبواب السماء، قرر إكمال المثلث والذهاب لمسكن قمر!
اتخذ طريقه، سار كثيرًا، نعقت الغربان، وتفتت أجزاء المباني المهدمة، ها هو أمام الباب، لم يبقى له سوى طرقه، يرى من الشرفة عينٌ حزينة ترقبه، هل هي عين قمر؟ تنصحه بالعدول عن رأيه! وقف مترددًا.
=ماذا تفعل؟
انساب في أذنيه صوت ملائكي دافئ، التفت ليُرى حسنًا لم يرى قبله مثيل، فتاة لها من حُسن جمال العرب، قسماتها مريحة للعين، عيناها عسليتين، شعرها قصير، وتُحسن طلتها هالات السواد تحت عينيها.
-أريد أن أعرف الحقيقة!
=أظن أنك عرفتها، لكنك الآن تهرب منها.
-ماذا؟
=نعم ألم تعرف الحقيقة؟ وكانت حملًا عليك والآن تريد الهرب؟
ازدحمت الأفكار في عقله، وتشتت ذهنه، ولم يدرِ جوابًا
=أنا ليلى
اندهش قائلًا: وأنا وائل
=لماذا تهرب؟
-أريد جوابًا، أريد الحقيقة كاملة.
=أظن أنك توصلت للحقيقة التي تستطيعها!
-كيف؟
=هناك حقائق نستطيعها ونسعى إليها، وهناك حقائق لا نستطيعها تسعى إلينا.
-؟؟؟
=إعمل بالحقيقة التي بين يديك الآن، ستجد أن الباقي يسعى إليك في فرصتك المناسبة، فهي أدرى متى تجدك كما كنت أدرى بالحقيقة التي وصلت إليها!
-من أنتِ؟
=ليلى! وابتمست
كان كمن حيزت له الدنيا، نعم بالفردوس الأرضي أمام ابتسامتها أو فيها، كان عالم المُثل ماثل أمامه، وأفلاطون في مخيلته يتعجب كيف وصل إليه بتلك السهولة!
-لم أقصد، لم أركِ قبلًا في الحارة؟
=أنا لا أسكن الحارة، أسكن على مقربة من هنا.
أشارت بيدها، نحو نار مشتعلة يراها على مد بصره، حولها بعض الخيام ملتفة حولها.
-لم أر يومًا هذا المكان أو أسمع عنه!
=لأننا منبوذون، نحن أتباع حُسينًا، الذي ثار منذ زمن، ولم نر بدًا من العيش بعيدًا عن الحا.. ما بالك مذهول هكذا؟ ألم تسمع الاسم قبلًا؟ خبرني من أنت؟
استجمع وائل حروفه، خرجت متقطعة، كان يبذل كل طاقته ليجيبها.
=أنا وائل، وحُسين من أتى بيه إلى هنا! إنه يكون أخي!
تسمرت الفتاة مكانها، انبسطت أساريرها، ركضت نحوه، احتضنته، وبكى هو!
ما إن هدأ حتى قص عليها قصته، بدايةً من أنفته من اللذات مرورًا بشاب الحانة حتى لقائه بشمس وما أوصله إلى هنا!
رحبت به ليلى وطمأنته، أن أمثاله موجودون، لكنهم منبوذين، ودعته ليأتي رفقتها.
اطمأن وائل وسط المنبوذين، وشارك معهم قصته، وشاركوا معه قصتهم، كان عبدالله أخو ليلى الأكبر رفيقًا لحُسين، وما أن حدثه عن صفاته حتى اكتشف أنها ذات الصفات، كأن حُسينًا استنسخ في وائل، وكان عبدالله الداعم الخفي، والمخطط المساعد مع حسين، وما إن مات حسين حتى انعزل مع أهله قرب بيت قمر حتى لا يقربهم أحد، وحتى يستطيعوا أن يحيوا حياة الإنسان لا الحيوان.
في الحارة انتشر خبر اختفاء وائل، أثارت شمسٌ ضجة حولها، خافت من مغبة صراحتها معه، بدأ الباحثون البحث ، ولم يصل لمكانه غير الطالبون له ولحقيقته، وصل إليه عمّار نصحه مخلصًا أن يعود ويقدم قرابين الطاعة، إلا أن وائلًا كان قد وجد الخلاص، وجد الإنسان، وجد الحُرية، وجد الاطمئنان، وجد الحب ووجد ليلى.
كانت صدمة وائل التي لم يتوقعها، أنا وجد من بين القلائل الذين أتوا بحثًا عن إنسانيتهم، وجد هناء!
اكتشف مدى حبها له، وكيف كانت هائمة في رعايته، وكيف كانت لا تنفك تذكر عبدالله حبها وصديقها ومخلصًا لأخيها الأكبر.
قامت الأفراح، وفرح المنبوذون بزواج عبدالله الذي بقي مخلصًا لهناء بها.
وكان الفرح القادم هو فرح وائل وليلى، كانت ليلى في نزهتها المعهودة حول بيت قمر -حيث التقت وائل أول مرة- وكان معها حيث كان يصحبها في نزهتها منذ ذلك الحين، كان الكمين حاضرًا، رجال شمس يطلقون عليهم، كانت ليلى المقصودة، إلا أن جسد وائل كان لها درعًا، ولكنه لم يكن كافيًا لتلقي كافة الرصاصات، واخترق الباقي جسد ليلى، اتحدت الأجساد بعد اتحاد الأرواح كان الأنين إلى أن أطلت سيدة في أواسط العمر لا تسع الحروف وصف جمالها ونقائها.
-قمر. صاح وائل
ابتسمت له: قمر والحقيقة سواء
ظهر أمامه شاب الحانة: كل هذه الأسئلة تجد إجابتها عند قمر!
شعر باللذة أخيرًا وابتسم.
مالت ليلى قائلة: وهناك حقائق لا نستطيعها وتسعى إلينا!
1 note
·
View note
Text
استيقظت كعادتي حوالي الساعة الثامنة، كنت وحيدًا، أعددت قهوتي ولفافة التبغ، جلست في غرفتي التي لا يدخلها ضوء، أشعلت السيجارة وكان هذا مصدر الضوء الوحيد في المكان، على صوت فيروز احتسيت فنجان القهوة ودخنت ثلاث من السجائر، للأسف لست ذلك النوع الذي إذا أصابه الاكتئاب انعزل في غرفته، كنت أميل أكثر للمشي، كانت الساعة قد قاربت العاشرة، حملت حقيبتي في داخلها روايتي والسماعات في أذني، بدأت القائمة بأغنية حاوي لمسار إجباري وتلتها الفرق الموسيقية المحببة .
كانت الساعة قد قاربت الواحدة، دخلت أحد المقاهي الهادئة، ويؤنسني جلستي ديستوفيسكي، يتحدث عن صراعات النفس وقضاياه الاخلاقية وما يشكله المجتمع الديني مع المجتمع الإشتراكي، كانت "سحلة" لابد منها في بداية كل يوم !
حملت هاتف�� لأتفقد بعض الأصدقاء، وماذا بعد مكالمتهم؟ أنت لا تصلح لتبادل أطراف الحديث! كيف ستسير الجلسة؟ لن تستطيع إخراج أفكارك مهما حصل! لن يفهمك أحد!
انتصرت أفكاري، أعدت الهاتف، وللصدفة كانت الأغنية القادمة هي أصحابي لمشروع ليلى، استمتعت لها ولما تلاها، كانت الساعة قرابة السادسة، غادرت.
كنت أسير هائمًا لا أعرف وجهة، ما أبغض الوحدة، كنت مشتتًا، أشاهد الناس سعداء وحزانى، هادئين ومتوترين، هل منهم من يشتعل في رأسه ما يشتعل في رأسي؟
على يميني، رأيت إضاءة خافتة، تصميم خشبي بسيط، جذبني المنظر، ربما يكون ملجأ جديد، لم انتبه للأسم، فتحت الباب، وإذا برجل ضخم يسألني عن عمري ويطلب البطاقة! تأكد من مبتغاه وأدخلني، ربما عرفتم معي إني دخلت إلى حانة، جلست في أقصى ركن منها، متوترًا.
-ماذا تاخذ؟
نظرت إليه بوجل !
-أول مرة؟
هززت رأسي.
-أنصحك عن تبدأ "بالبيرة" ثم نرى ماذا تقرر
-حسنًا
كانت جسدي يرتعش، متعرقًا أعددت لفافة التبغ، وبدأت التدخين بنهم، ربما أسد من تدخين سيجارة بعد يوم صيام.
جاء طلبي كانت زجاجة كبيرة من نوع "ستيلا"، كانت متعرقة "مشبرة" مثل حالتي، وعلى غير المتوقع بدأت بارتشافها بنهم، سرت في جسدي مثل حمام بارد بعد ساعتين من لعب الكرة، أعجبني طعمها، رافقتها السجائر، أنهيتها.
بدأ شعور لطيف يلاطف عقلي، هدأت الأصوات، لم تختفي، بل أصبح نقاشها حضاريًا، كان الهدوء أخيرًا يعم رأسي، طلبت واحدة أخرى، صار الهدوء يتضاعف، وكل شيء يصبح ذا معنى، تلونت الحانة من أمامي بالألوان، انساب لأذني ألحان "بينك فلويد" يعزفون لم أكن قد انتبهت لهم في بداية الأمر!
غادرت، لأول مرة أحس بالهواء، بالمباني والشوارع، تحت منزلي كانت هناك قهوة ينساب منها صوت أم كلثوم، ربااه كم كانت جميلة، جلست على قهوة، أدقق في السهرانين، ذاك يدخن النارجيلة، وهؤلاء يلعبون الدومينو، وتلك "عشرة طاولة" قائمة، أفكر في حكاياهم، وفي دوافعهم لما يفعلون، أصبحت أحبهم.
كان منتصف الليل قد حل، عدت إلى المنزل ونمت سريعًا، كنت معتادًا على النوم في السادسة صباحًا، نمت نومًا هنيئًا، واستيقظت وأنا رائق البال!
كررت فعلتي قرابة الثلاثة أيام، حتى قررت أن أغير مشروبي، فكان القرار أجلس على "البار" حتى أكون قريبًا من الساقي.
كان رجلًا في أواسط العمر، غزا الشيب رأسه.
-مساء الخير
-مساء النور يا بُني
-أريد في البداية "ستيلا"
-حسنًا
بعد أن أنهيتها وجهت إليه الحديث
-المعذرة ولكن سأتعبك، أنا جديد، أريد شيئًا هادئًا ولكن مفعوله قوي.
-بسيطة.
أخرج زجاجة وصب منها "شوت" وناوله إياه، كما الأفلام التي اعتاد رؤيتها، تناوله على مرة واحدة.
-حلو، ما هذا؟
-هذا رام.
انسابت الألحان أكثر إلى أذنيه، حتى أنه خيل إليه أنه يسمع تلاطم الأمواج مع اللحن، وهدأت روحه تمامًا.
-هل لي أن أسألك لماذا جئت إلى هنا؟
-بالطبع، وحكى له قصة عثوره على المكان.
ضحك الساقي وقال:
-جميل ولكن ليس هذا سؤالي، أقصد لما تشرب؟
-لأنني أخيرًا وجدت الراحة، الراحة من كل أفكاري المتضاربة الراحة من سرعة الحياة وسيرها.
-ما هي أفكارك؟
-اااه، أفكاري؟ كيف أشرحها لك؟ أنا مشتت يا سيدي، لنبدأ من المشاكل الأبسط، إنني يا سيدي طالب في كلية كنت أظن أني أحبها، ولكني أكرهها، ماذا سأفعل بعد ذلك وأنا في آخر السنين، لا أريد لعمل أن يستعبدني، إلا أني في حاجة إلى المال، لا أريد الاستمرار في الدراسة، أنا حقًا أحب التعلم وأحب القراءة، ولكن الحاصل أني لا أتعلم، ولا أريد العمل بما تعلمته، العمل يا سيدي أصبح غاية بينما هو في الأصل وسيلة، أكره حياتي، لا أطيق مخالطة حتى أقرب الناس، أكره نفسي لذلك ولكني لا أستطيع!
-يا بُني لقد شاب رأسي، ودوافعك ليست منطقية، نحن مربوطون بالمجتمع وما يسير إليه العالم…
-طور مربوط في ساقية!
-ممكن كما تقول، لكن لا مفر من المواجهة، والانخراط والتعلم والعمل، ليس عليك إلا مجاهدة هذه الأفكار، لقد كنت مثلك في يوم من الأيام وأنظر أين أنا الآن، أبحث عن قوط لأولادي قبل نفسي..
-هيهي.. أولاد؟ هل حقًا أنجبت أطفالًا في هذا العالم؟ أي ذنب اقترفوه سوى شهوتك الأنانية؟ هل تريدهم أن يعيدوا مسار حياتك؟ لا أفهمك حقًا
-الإنجاب فطرة يا بُني ليس بيدنا حيلة أمامها وإذا كان العالم سيئًا فلابد من مواجهته بأبناء نعلمهم كيف يكون العالم صالحًا.
كان "الشوت" الخامس بين يدي
-إنك مضحك حقًا، يا سيدي خلف كل قيصر يموت قيصر جديد، وخلف كل ثائر يموت أحزان بلا جدوى ودمعة سدى، لن ينصلح العالم أبدًا إلا إن كنت من أنصار الشر، لأن الأشرار هم الوارثون، يديرون العالم حسب مصالحهم وكفى.
-ولكن الله..
-لا تقل لي " الله" لقد خلقنا نعاني يقول في كتابه " لقد خلقنا الإنسان في كبد" ثوابه جزاء الصبر لن تحدث المعجزات لن يتغير العالم، لقد خلق العالم وخلقنا لنتصرف كما يحلو لنا، هو فقط يملك الثواب والعقاب
لاحظت اهتمامًا متزايدًا من الجالسين، حتى صارت الحانة بأكملها تقريبًا تستمتع.
-يا بُني لا تلحد، أو تقول كلامًا تندم عليه.
-لست ملحدًا، أنا فقط أقول ما عليه الوضع، أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، كنت محافظًا على صلواتي وأصوم، لكن هذا هو الحال، لقد خلقنا وتركنا لنت��امل مع أبناء جنسنا الأشرار، والكوكب لمن ينتصر، وكون الشر بلا ضمير فسينتصر حتمًا ولابد، وسيسير العالم كما يحدث الآن…
-يا أستاذ إنت بتكلم مين؟
نظرت حولي فإذا باهتمام منصب نحوي، نظرت أمامي للساقي، إذا بمرآة عليها انعكاس صورتي!
نظرت للساقي قريبًا مني فإذا بشاب في العشرينات من عمره!
-أين الساقي الآخر؟
-أنا هنا منذ جئت، تناولت "ستيلا" وخمسة "شوتات" رام وثلاثة "شوتات" تيكيلا
كان رأسي يدور، والأفكار التي قوطعت كما الإعصار في ذهني، تجلت فكرة واحدة فقط،
الإنتحار!
1 note
·
View note
Text
في غرفة بسيطة، في أحد أركانها يوجد فراش بسيط موضوع على الأرض حيث اعتاد باسم أن ينام ويجلس ويأكل يشرب، يمتلئ الجدار برسومات واقتباسات مكتوبة، يتموضع علم فلسطين في مكان ظاهر في الغرفة، وإلى جانبه علم أسود لخريطة العالم بلا حدود.
جلس باسم يُعد لفافة التبغ وإلى جانبه فنجان القهوة كما اعتاد كل صباح، في الخلفية كان صوت آخر زفير بإبداعهم الكلامي والموسيقي، نظر باسم على الشفرة الحادة التي كان قد أعدها لإنهاء حياته نهاية هذا اليوم، حيث قرر أنه يومه الأخير، حيث كان يومه الأخير قبل اتمامه عقده الثاني.
قرر أن يتمشى في الشوارع لوداعها، أن يتفقد المقاهي، أن يلقي على البحر نظرة وداع.
على غير المتوقع امتلأت نفسه بالسكينة لقراره وهو يجوب أنحاء المدينة وفي أذنيه سماعته تسكن عقله بالألحان، تعبت قدماه من السير، واستقر جسده ��لى أحد المقاهي.
جاءه القهوجي وطلب فنجان القهوة، جلس يشربها في هدوء مع سيجارته، لأول مرة لا يتأفف من وجود الناس من حوله، من أصواتهم العالية، من مناقشاتهم التي يراها بدون جدوى، بل أحس بالحنين في لحظة وترقرق الدمع في عينيه.
في هذه اللحظة دخل طفل في عمر الستة سنوات أو ما يقاربها يستجدي المساعدة.
كان باسم لا يعطي هؤلاء الناس شيئًا، كان يرى أن هناك من يأخذ المال من هؤلاء الأطفال في نهاية المطاف فهي مساعدة بلا جدوى، إلا أنه أراد أن يساعد هذا الطفل وما الضرر فهو يومه الأخير!
نادى على الطفل
-جائع؟
=نعم يا سيدي، أنا آكل في اليوم إلا الفتات.
أخذه من يده إلى أقرب مطعم، ابتاع له أجود أنواع الطعام، ثم عادا إلى المقهى.
جلس الطفل يأكل بنهم وسعادة لا توصف، أنهى طعامه وطلب له باسم العصير، شربه الطفل وعيناه تدمعان من السعادة.
=شكرًا يا سيدي، أنت إنسان طيب
اجتاحت باسم رعشة هزت أنحاء جسده.
-لا تشكرني أنا في خدمتك يا بني. ما اسمك؟
=آدم. وأنت ما اسمك يا سيدي؟
-أنا باسم، لا تقل لي سيدي بعد الآن.
=شكرًا يا باسم، لكن لما أنت حزين ولا تضحك؟
-قصة طويلة يا آدم، لا تجوز أن تقص على الأطفال.
وأعطاه هاتفه ليلعب عليه قليلًا، وأراه مقاطع من رسومات كرتونية فرح بها آدم، بعد أن جلسوا كثيرًا عادت الضحكة إلى باسم، عدل عن قراره، رأى إن كانت حياته لأجل سعادة هذا الصبي فهي كافية.
نهض الطفل مسرعًا بعد أن عم الظلام قائلًا:
=يجب علي المغادرة.
-حسنًا ولكن هل تأتي هنا كثيرًا؟
=يوميًا.
-حسنًا سآتي لأراك يوميًا.
عاد باسم شقته الصغيرة، هادئًا مطمئنًا نسي شفرته الحادة، انشغل بعالم بغير حدود أو فقر أو تشرد واقتنع أنه بدأ محاربة الفقر والتشرد بفعله اليوم ونام راضيًا عن نفسه نومًا عميقًا لأول مرة منذ سنين، وأتم في نومه عامه العشرين.
وبالفعل تكرر لقاء باسم وآدم يوميًا، كان آدم يخلق الوقت خلقًا لملاقاته، كان هو من يحتاج لآدم وليس العكس، أحبه آدم وتعلق به كثيرًا حتى صار يناديه بأخي.
وبطريقةً يجهلها آدم إلا أنه جعل باسم يحب الحياة، أحب الطعام والشراب، أحب البحر والبناء، وأحب المدينة، والأهم أنه أحب البشر.
تغير باسم جذريًا، صار مجدًا بعمله ومهتمًا به، وصل علاقاته بأهله وأصدقائه التي كانت شبه مقطوعة، الخلاصة أنه آمن بالحياة والبشرية.
بعد أشهر انقطع آدم عن الظهور له، يومًا فالتالي فالذي يليه اسغيبه باسم وقلق، سأل القهوجي، أخبره أن الشرطة نزلت منذ أيام وأمسكت بكل المشردين فقد يكون آدم بينهم.
بكى باسم بكاءًا شديدًا، بكى عجزه وبكى عن قصر يده وحدود امكانياته التي منعته من إيوائه، في هذه اللحظة تهدم كل ما بُني في الأشهر الماضية، كفر باسم بكل ما ��من به ولم يكذب خبرًا، تذكر شفرته، عاد مسرعًا إلى بيته وفي لحظة امتلأ الفراش بالدم وفي ساعات كان باسم قد فارق الحياة وكما كان الدم يملأ الفراش والملابس كانت الدموع تملأ عينيه ووجهه.
1 note
·
View note
Text
9 notes
·
View notes
Text
2 notes
·
View notes
Text
4 notes
·
View notes
Text
في غرفة رمادية اللون، يوحي منظرها بأنها لم تدخلها شمس، النافذة مغلقة بالتأكيد، منتشر على جدرانها مقتطفات من بعض الأغاني والأفلام، معلق على أحد الجدران تحديدًا فوق الفراش خريطة للعالم بلا حدود، كان أسامة ممددًا على الأرض، ينزف بعد أن قطع شريانه، كان تنفسه بطيئًا صعبًا، ضرابات قلبه لم تعد منتظمة، شاهد الأب فور دخوله الغرفة هذا المشهد، سارع في تطهير الجرح وضمده وحمله سريعًا إلى المشفى.
كان يسمع همهمة، اشتم رائحة المعقمات، تحسس ما تحته فوجده فراشًا، ما أن فتح عينه حتى وجد غرفة ممتلئة بالأهل والأصحاب، أحس بالخجل ولم يفتح عينه.
بدأت الأصوات تهدأ، فتح عينيه قليلًا، وجد أن الليل قد حل ولم يجد في الغرفة أحد، تنفس الصعداء، وبدأ يبكي، بكى بكاءً شديدًا، لا نبالغ إن قلنا أنه بكى بالساعات.
وجد نفسه مجددًا بين الأهل والأصحاب تتابعت العبارات السعيدة والمهنئة لنجاته
-حمدًا لله على سلامتك
-سعيدة جدًا بقيامك
-افتقدناك
كل هذا العبارات كانت تقال وهو في حُضن أمه استشعر الدفء الذي لم يشعر به منذ مدة طويلة.
عاد إلى بيته، بالرغم من أن أحدًا لم يشعره بفظاعة فعله إلا أن قلبه كان يستعر من بشاعة ما فعل، لاحظ ما يكنه له الأهل والأصحاب من حُب، قرر أن يحيا لهم إذا لم يجد ما يحياه لنفسه!
أصبحت غرفته بيضاء اللون، وفُتحت النافذة وأصبحت الشمس ترقص في وسط الغرفة، ولازالت الخريطة في مكانها، رتب مكتبته واخرج مذكرات جامعته، بدأ الانتظام في حضور محاضراته، كان يحب دراسته ولكن يبغض النظام المتبع، كان يدرس الآداب قسم اللغة العربية.
أصبح يجالس أصدقائه في المقاهي يشارك معهم في مناقشاتهم، تارةً عن مباريات كرة القدم، وتارة عن الدراسة.
كان الأصدقاء يتلاشون الكلام عن المستقبل ومغزى الحياة عن الدين وعن السياسة، ولم يحدثه أحد أبدًا عن محاولته؛ خوفًا عليه أن يعود لأفكاره الإنتحارية.
كان صديقه المقرب -عمر- أكثرهم قلقًا عليه وكان يجالسه في يوم فقال أسامة:
-لماذا لا يحدثني أحد عما فعلت؟
-لا أحد يعرف كيف يحدثك، كما أننا نخشى أن تعود إليك تلك الأفكار، ونخشى أن تظن أننا غاضبون منك، لذلك أيضًا نختبئ من أحاديث السياسة والدين والحياة.
-أفهمك ولكني بين حين وآخر أحتاج أن أخرج أفكاري حتى لا تتزاحم في نفسي فأكرر فعلتي.
حكى له قصة نور، وكيف تعلق بالوهم وشرح له أن هذا حال الحياة، وكيف أنها مبنية على سراب!
-حقًا! مررت بكل ذلك ولم تخبر أحد؟ لم اكن غاضبًا منك، ولكني كذلك الآن، ألسنا أصدقاء؟ ألم نعتاد أن نحكي كل شيء كل منا للآخر، هل خذلتك من قبل؟
-لا، وهذا ما يخجلني منذ أن عدت إلى المنزل وأنا أشعر بالخجل من فعلتي بسبب ما وجدته منكم من حسن معاملة، كنتم -جميعًا- سندًا، أحمد الله كل يوم أن رزقني إياكم، لقد كنت أبحث عن المعنى العام وأغفلت التفاصيل الجميلة التي تحيط بي، أهلى وأصدقائي والصحة والبحر والسماء والشمس والورود والأشجار. أنا آسف.
-لا تعتذر، بل نحن من نعتذر لأننا غفلنا عنك في هذه اللحظة، أعدك بأن أكون موجودًا دائمًا، ولكن عدني أن تحكي لي كل ما احتجت.
-أعدك.
عاد أسامة إلى بيته لأول مرة يشعر بهذه الراحة منذ عاد من المشفى، استلقى على فراشه ونام نومًا هانئًا.
كانت الامتحانات قد اقتربت وكان قد فاته الكثير فكان يذهب إلى الجامعة لاستدراك ما فاته.
بعد أن أنهى سيجارته توجه إلى القاعة حيث محاضرته وجلس على أحد الكراسي في الخلف ووضع حقيبته على الكرسي المجاور، كانت القاعة ممتلئة.
-لو سمحت!
نظر أسامة فإذا به يدهش، كانت فتاة سمراء بسيطة الملامح، جميلة القسمات شعرها "كيرلي"
-هل يوجد أحد بجانبك؟ لأن القاعة ممتلئة كما ترى
حمل حقيبته.
-تفضلي لا يوجد أحد.
-شكرًا.
شرد ذهنه في مدى حُسنها وطلتها البهية، قاطعت تفكيره:
-هل معك المحاضرات الفائتة؟
-لا، كنت أمر بظروف وبدأت أنتظم مؤخرًا.
بدأت المحاضرة، ولكنه لم يكن حاضرًا، استحضر نور وكيف خذلته، وكيف عانى من بعدها، انتهت المحاضرة ولكن واتته الشجاعة أن يكلمها مرة أخرى
- هل من الممكن أن نستذكر سويًا لأني صدقًا أحتاج لمن يساعدني؟
ابتسمت ابتسامة عذبة أثرت على ضربات قلبه
-ممكن، لأني أيضًا أحتاج لمن يساعدني.
تبادلا أرقام الهاتف وسألها:
-ما اسمك؟
-سارة، وانت؟
-أسامة.
تبادلا التحية وافترقا.
عاد أسامة إلى منزل، أعد فنجانًا من القهوة مع لفافة التبغ، بدأت تتجلى له نور في الدخان، تتلاشى مع الدخان وتتجدد صورتها مع كل نفس، بينما يحتسي قهوته اهتز هاتفه، نظر إليه فإذا بقلبه تزداد ضرباته، كان المرسلة سارة.
تناول هاتفه وبدأ يحادثها، تبادلا السؤال عن حال كلًا منهما، وتكلما قليلًا عن الدراسة وكثيرًا عن حياة كلًا منهما، عرف أنها الابنة الوحيدة لوالديها، وأنها تصغره بعام، تحب محمد منير، كما تحب الرسم وأرته بعض رسوماتها، وكانت حقًا فنانة، أرسل لها بعض الأغاني، أعجبها اختياره لأغانيه، وعلقت على أغنية بلياتشو لعمدان نور، أنها جميلة لكن كئيبة.
رد أسامة:
-ولكن الواقع كئيب مشابه للأغنية، إنها من عمق المعاناة، بلا تجميل ولا نفاق وهذا سر جمالها.
-لقد لاحظت من ما أرسلته إلي أن هذه فلسفتك، لا اختلف معك أن الواقع كئيب، ولكن وجب علينا مقاومته وألا نستسلم له، من الممكن أن نعيش حياتنا وتكون في حدود المعقول.
-لا اختلف معك في هذا ولكني تعب من المقاومة!
وحكى لها تقريبًا عن حياته كلها إلا حكايته مع نور، انجذب كلًا منهما للآخر، إلا أن النار كانت تستعر في عقل أسامة وقلبه، كان يخشى من تكرار تجربة نور، وقرر أن يضعها تحت الاختبار.
اتفقا على المقابلة في الغد وطلب منها احضار بعض الورق الجامعة لكي يستذكره، ولم يكن الغرض الورق بقدر ما كان للتأكد من وجودها!
جلسوا في أحد المقاهي، طلب قهوته وطلبت شايًا.
-جميلة أنتِ كما رأيتك أول مرة.
ابتسمت خجلًا ولم تعلق.
طلب منها أن تناوله حقيبته، لغرض التأكد من وجودها مرة أخرى، أخرج لها رواية خان الخليلي لنجيب محفوظ وأهدها إيها.
شكرته جدًا، فقد كانت أخبرته أنها تريد القراءة لنجيب محفوظ، جاءت الطلبات. فقال أسامة للنادل:
-القهوة عندي، والشاي عند الآنسة.
مرة أخرى قال قوله ليتأكد أن النادل يراها.
أعد لفافته، وبدأ يدخن. قالت سارة:
-منذ متى وأنت تدخن؟
-ما يقرب الخمس سنوات.
-لماذا؟
-قصة طويلة، اختصارها أني أكره الفقد، وصدقًا لقد فقدت الكثير في عمرٍ قليل، لم أتحمل دخلت في نوبة الاكتئاب، وعند��ا بدأت التدخين.
-وهل كان حلًا؟
-لا ولكنه كان مسكنًا.
-هل تعلم؟ منظرك وأفكارك لا تليق بمدخن أبدًا، إن من يراك لا يظن أبدًا أنك تدخن.
ابتسم أسامة قائلًا:
-كنت أتمنى أن أكون كما أبدو.
استمرت جلستهم بالساعات وتكررت مقابلاتهم، توافقا كثيرًا، وكان يتصرف تصرفات غريبة بالنسبة لها ليتأكد من وجودها، وكانت لا تفهمها ولكنها تغاضت عن ذلك، في أحد المرات أحضر عمر وطلب منه أن يؤكد له وجودها، بالفعل حضر عمر وتأكد من وجودها، إلا أن سارة غضبت كثيرًا من أنه لم يقل لها أن صديقه قادم وأحست بإهانة وتخاصمت مع أسامة، كان يختلج أسامة شعوران مختلفان، أحدهما فرح بوجودها والآخر حزن لخصامها.
جلس قرابة الأسبوع لا يتكلمان، كانت الامتحانات قد مرت بسلام على كليهما، دخن أسامة العديد من السجائر في هذا الأسبوع، في نهاية الأسبوع حمل أسامة هاتفه وراسلها:
-أفتقدك.
لم يجد ردًا
-حسنًا، أستطيع أن أشرح لكِ كل تصرفاتي الغريبة، مع أني أخشى أن تبتعدي عني إلا أنه لن يكون أسوء من الوضع الحالي!
-اشرح
-الموضوع طويل، احتاجك أن آراك وأشرحه وجهًا لوجه.
-حسنًا
اتفقا على اللقاء.
رآها بهية جميلة متألقة كما هو الحال دائمًا فقال:
-تشبهين القمر كل يوم في طور جديد
-اشرح
-حسنًا
آراها أثر قطعه للشرايين في يده، اصفرت ملامحها، حكى لها تفاصيل علاقته بنور، كيف صعد إلى سابع سماء، ثم سقط إلى سابع الأرض، كيف ظن أن الحزن لن يعرف له طريقًا، واكتشف بعدها أن الحزن لا يعرف طريقًا إليه.
دمعت عينا سارة، وبكت بكاءً شديدًا، مسك يدها وقال:
-ولكن معك عرفت أن للسعادة وجود، وأنها موجودة كما الحزن ومعك تلون العالم ولم يعد باللون الأسود، أعرف أني معقد وصعب المعشر، ولكن معك صرت لين المعشر، أرجوكي ألا تغادري وأن تبقي بجانبي، أنا أحتاجك.
ولأول مرة يقولها أسامة صدقًا وواقعًا: أحبك
ابتسمت سارة ومسحت دموعها قائلة: وأنا أحبك
قامت من مكانها واقتربت منه، احتضنته، وفي حياة أسامة لم يشعر أبدًا بهذا السلام، وهذا الدفيء، أحس بأنه على قيد الحياة.
(٣/٣)
3 notes
·
View notes
Text
في إحدى بيوت الكوفة جلس صديقان في عقدهما الثاني، أحدهما يكبر الآخر بعام، كانا من أصحاب الكأس، افترشا أرض الغرفة، كانت الغرفة مشققة الحائط، لا يوجد فيها سوى حصيرة حيث جلسا عليها وفي يد كل منهما مشروبه.
قاله احدهما:
-هل سمعت أن الحسين قادم إلى العراق حتى يتسنى له محاربة يزيد؟
-نعم، ولكن لا أعلم كيف يثق فينا وقد خذلنا أباه من قبل !
-لقد سمعت أنه حُذر مما تخاف منه، فقال "إن الأمة تحتاج إلى شهيد" لا أعلم ماذا سيفعل أهلنا معه هل هم خاذلو ه كما خذل بنو إسرائيل موسى -عليه السلام-، أم هم ناصروه كما نصر الأنصار الرسول -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر.
غير أني أقسم أني ناصره حتى يظهره الله أو أموت.
-فلنتعاهد على نصرته مهما كانت الظروف.
بسط يده فبسط صديقه يده قائلًا: تعاهدنا.
عاد عليٌّ إلى بيته مع أذان الفجر، كان قد سمي علي تيمنًا بالخليفة الراشد الرابع حيث ولد في العام الثاني من ولايته رضي الله عنه، كانت أمه قد بدأت الصلاة وأبوه كان في المسجد وأخته الصغيرة نائمة.
انهت الأم صلاتها، وعاد الأب من المسجد، واستيقظت الأخت، جلسوا جميعًا مع شروق الشمس.
حدثهم علي عن العهد الذي تعاهد عليه مع صاحبه، اصفر وجه الأم، وسكت الأب لحظات ثم قال:
-ولكن يا بني من لنا إذا أصابك مكروه، إني قد كبرت ولم أعد أقوى على العمل، باتت أيامي معدودة، من لأمك وأختك يطعمهم، واذا شارفت أختك على الزواج من يزوجها؟
-لكم الله يا أبتي، ألست مؤمنًا؟ (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) إن النصرة الحق المتمثلة في حفيد الرسول -صلى الله عليه وسلم- واجبة لن ارضى أن يقتل الحسين كما قُتل أبوه من قبل على مرأى ومسمع مني وأنا لا أحرك ساكنًا!
"هو إحنا مش ع الحق بردو يبقا تفرق إيه نعيش؟"
-ولكن الله أمرنا بالأخذ بالأسباب، وقد رد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الشاب للذي طلب الجهاد وكان وحيد أبو��ه فأمره ببرهما.
-ولكن يأبتي الأخذ بالأسباب لنصرة الحق واجبة، وهذا الشاب كانت ظروفه مختلفة فكان هناك من يعوض غيابه.
تدخلت الأم قائلة:
-إن طاعتي واجبة وأنا آمرك أن تراعينا ولا تنفذ على عهد.
سُقط في يد علي واعتزل في غرفته مهمومًا، انقطع عن ملاقاة صديقه، كما نفر من صحبة الكأس، وأخذ يقرأ في المصحف ويبحث عن تفسيره في المساجد.
"الكاميرا جايبه صقر طاير فوق من بعيد عمال يلف ويرسم دايره مقفولة
وكأنه حاسس باللى حينقتل تحته وإن الحسين على وش مدبحته .. وإن الرمال تحتيه بالدم راح تشبع ..
وإن الهوا حواليه حبه وحيبقي تراب .. وحيبقي هو وصحبته أغراب .. وإن المدد مش جاي .. مش هوا ده علمه
اللى قالولك تيجى رجعوا فكلامهم .. يا حسين حتيجى تموت لمين .. إرجع
كل اللي جاي علشانهم تفدي وتناضل راضيين يعيشوا عبيد .. والمشهد الفاضل حتموت فى أخره وحيد"
جاء الحسين ولم يلحق به من أهل العراق سوى صديق علي، حاصرهم جيش يزيد واستشهد الحُسين كما احتاجت الأمة، واستشهد صديق علي.
حين بلغ الخبر عليًا بكا بكاءًا شديدًا حتى جفت عيناه، شعر بأنه الخائن والمسؤول الأول عن ما حدث استصغر نفسه، أصبح لا يتعامل مع احد إلا أهله بالحد الذي أمره الله به.
اعتزل اعتزال أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- صار يتعبد ويدعو الله أن يتوب عليه ويغفر له ذنبه.
ظل قرابة العشر سنوات يطوف في شوارع الكوفة يحث أهلها على الثورة والإنتقام لما حدث في كربلاء عاملًا بالقول "شيَع صحابك من معركة بليل .. والصبح فرج دمهم للخلق"
في مسجد الكوفة اعتلى الحجاج المنبر وبدأ خطبته الشهيرة حيث مطلعها: أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني
وخرج من المسجد فإذا بشاب في عقده الثالث يقترب منه ويقول أنا الحُسين وأشهر خنجرًا يريد قتل الحجاج إلا أن أحد حراس الحجاج عاجله بضربة سيف فقتله.
جاء صوت من بعيد باكيًا صارخًا: ولدي ولدي يا علي!
إلا أن عليًا كان لايستجيب وعلت شفتيه ابتسامة لأول مرة منذ عشر سنوات.
"إنى رأيت اليوم .. الصورة من برا .. وقلت الحسين لسه .. هيموت كمان مرة
إنى رأيت اليوم فيما يرى الثائر .. إن الحسين ملموم فوق جثته عساكر .. بيدغدغوه بالشوم كل أما يجي يقوم
وإن البشر واقفه تبكي بدال ماتحوش .. وإن العلم مصفاة م السونكي والخرطوش .. وإن الطريق مفروش بالدم للآخر
إنى رأيت اليوم .. الدم عَ الآيش .. وإن الحسين إحنا .. مهما إتقتل .. عايش"
https://soundcloud.app.goo.gl/1v4fRAfzSZ3Fif5B8
3 notes
·
View notes
Text
لأول مرة يسهر أسامة حتى طلوع النهار بملئ إرادته، بقي مستيظًا يحادث نور على برنامج المحادثة "الواتساب"، عرف عنها أنها تصغره بثلاث سنوات، تدرس الأدب العربي، ولها أخ يكبرها بخمس سنوات وأخت تصغرها بسنتين، تحب الفن بشتى أنواعه، تحب موسيقى الروك، فيلمها المفضل "before sunrise"، أديبها المفضل نجيب محفوظ، تحب الفلسفة والتاريخ، ثورية في طباعها، تكره الدخان والقهوة، استمرت محادثتهما قرابة الاثنى عشر ساعة، اعتذرت بذاهبها إلى الجامعة منهية للمحادثة.
تمدد أسامة على فراشه نائمًا، لأول مرة منذ خمسة سنوات ينام نومًا عميقًا هادئًا.
استيقظ على صوت أذان الظهر والابتسامة تعلو محياه، لأول مرة منذ سنين توقف عن عدها لا يبدأ يومه بلفافة التبغ، قام وتوضأ وصلى، شكر الله تعالى على هذا النور الذي غزا حياته المعتمة، كان يبحث عن شيء عظيم يوجه له الثناء على هذا نعمة فهو كان لا يحب البحث عن العظيم في معاناته، كان يرى هذا تصغيرًا له جل في علاه، كان يقصده في الثناء والحمد فقط.
ذهب ليعد قهوته، ابتسم وتذكر كره صاحبته للقهوة، منذ زمن لم يعد فنجانًا من القهوة بهذه الدقة، كان صافي الذهن، متقد الحواس، كان سعيدًا.
ذهب إلى الشرفة، الشمس في كبد السماء، انتبه إلى نعمة الأرض الخلاء التي أمامه، امتد بصره حتى المساحة الخضراء التي تليها، وخيل له أن رائحة النبات تداعب أنفه، ابتسم وأعد لفافة التبغ وبدأ شربه للقهوة وأشعل سيجارته، لأول مرة يحس بالنفور من هذه العادة إلا أنه تابع فعلها، كان هاتفه في يده ينتظر رسالتها.
اهتز هاتفه معه قلبه، كانت رسالتها، تشكو من جامعتها ونظامها، كيف أفسد النظام جمال دراستها، كانت تعشق الأدب إلا أن أسلوب الجامعة عقيم لا يفيدها إلا بالقليل، أخبرها أنه يريد لقائها، كانت لم تنم منذ الأمس إلا أنها وافقت على فور وأخبرته أنها ستسبقه للمقهى.
كان المقهى خاليًا كسماء الليل الصافية، وكانت كالقمر المكتمل في صفحتها.
-أهلًا
-أهلًا
-هل تأخرت؟
-لا، لم أصل إلا منذ عشر دقائق.
-جيد، هل تعلمين أن هذه أول مرة آتي إلى هنا من غير رواية أو كتاب اقرأه.
ابتسمت.
-أليس لك أصدقاء؟
-لدي أصدقاء أحبهم ويحبوني، ولكني لم أعد أقوى الكلام مع البشر.
-ألست بشرية؟
-بلى، غير أن لكِ سحرك الخاص، سحر رقيق جميل، يأسر اللُّب والقلب.
ضحكت ملئ وجهها.
-هل هذه معاكسة؟
-ممكن أن تكون.
ضحكا.
وصلت قهوته وعصيرها وبدأ بإعداد لفافة التبغ.
-منذ متى وأنت تدخن؟
-ما يقرب الخمس سنوات.
-لماذا؟
-سؤال تطول إجابته.
-هل ما يشغلك اليوم؟
ابتسم.
-لا، حسنًا، هل ترين هذا العالم؟ أنا أكبر الساخطين عليه لا أحبه بل يملؤني كره شديد له، أكره مشاهد الحروب والدمار، الأطفال المشردة، الفقراء في الشوارع، الظلم البين في كل حدب وصوب، السجون في شتى البقاع الأرض المليئة بمن كان جرمهم الوحيد أن قالوا لا. النظام العالمي الذي أبدل العبودية بالتوظيف كل هذا العفن أمقته، أردت الانتحار إلا أنه لم تواتني الشجاعة، فقررت شرب السجائر والانتحار بالطريقة البطيئة، مع الوقت أصبحت أجد فيها شفاء لغليلي وأصبحت أحبها.
أشعل لفافة التبغ، وبدأ ينفث الدخان بعد أن سألها إن كانت لا تمانع ووافقت.
-أنت حتمًا مكتئب.
هز كتفيه لامباليًا.
-أتفق معك في كل ما قلت، إلا أن تدمير ذاتك ليس حلًا، حريٌ بك أن تعد نفسك حتى تشارك في التغيير، حتى تثور على ما تكره.
-ليس هناك حل، الهروب هو الأمن، محاولة الإندماج مع العفن.
-هناك فريق اسمه ماسكارا يقول في أغنيته "فاكر إنه الحل يهرب وينسى الهم"
-أعرفها، لكني لم أقل أن هذا حل، هو تخدير محاولة حتى لا أقتل نفسي.
-اختلف معك كثيرًا، فالدنيا دواليك، يوم لك ويوم عليك.
-وهذا اليوم الذي علي، أحاول التأقلم معه حتى يأتي يومي.
-لا، بل تعد نفسك لليوم الذي لك، تحاول استقدامه.
-من الممكن أن أتفق إلا أنه لم يعد لدي طاقة للمواجهة أو الإعداد، صدقًا لقد حاولت إلا أن طاقتي استنفذت.
-لا بأس من الهدنة، ولكن ليكن في علمك أنها ليست النهاية حتى تعود.
-كنت أريد أن يستمر حديثنا إلا أني أراكِ متعبة، ولنكما حديثنا في وقت آخر.
-حسنًا فأنا فعلًا متعبة وأريد أن أنام.
طلب الفاتورة وقام بدفع الحساب ونزل معها ممسكًا يدها، عبرا الشارع إلا أنه شعر بفراغ في يده وبخواء في قلبه، تلفت حوله لم يجدها، بدأ ينادي نور نور، بدأ الناس ينظرون إليه، كان يهرول هرولة هاجر بين الصفا والمروة، بدأ يسأل هل من رآها لم يجد من يروي ظمأه، أخرج هاتفه محاولًا الاتصال بها كان الرقم مشغولًا.
كانت الضربة القاضية حين ذهب للمقهى لعلها عادت.
-السلام عليكم
-وعليكم السلام
-هل عادت الفتاة التي كانت برفقتي إلى هنا؟
-ولكن يا سيدي لم يكن هناك أحد برفقتك.
-!!!!!!
-لقد طلبت عصيرًا وقهوة وغادرت.
خرج هائمًا لا يعلم أين هو أو أين يذهب، ظل يبحث عنها، كان يراها في كل الفتيات
"اليوم شفت واحدة بتشبهك، بس بالمرة ما بتشبهك، أنا خلتها هيك، خلتها بتشبهك، كأني اشتقتلك وخايف أنسى شكلك"
ظل يومين هائمًا يدخن ويشرب القهوة، حتى تلفت أعصابه، صارت يد��ه ترتعشان، حتى واتته الشجاعة التي لم تواته سابقًا، عاد لمسكنه، أمسك بشفرة حادة وبدأ بقطع شرايينه تاركًا خلفه ورقة كتب عليها "أعلم أنها ليست الطريقة الصحيحة، لكن صدقًا ما باليد حيلة"
(٢/٣)
4 notes
·
View notes
Text
استيقظ أسامة من نومه -إن اعتبرنا ما كان فيه نومًا- أعد لفافة التبغ وبدأ في محاولة يائسة في تذكر ما كان يحلم به، لا يذكر سوى أنه كان سعيدًا، وكيف حاول أن يعود إلى نوم لاستكمال سعادته المتوهمة محاولة قوم إبراهيم في إحراقه.
انتهت سيجارته فقام من فراشه وأعد قهوته الخالية من السكر، كان قد بدأ شربها خالية من السكر عندما توقفت الحياة أن تكون له معنى بالنسبة له، كان متفائلًا، مؤمنًا بالحياة، واثقًا في الناس، كيف انتهى متشائمًا، لاعنًا للحياة، ساخطًا على الناس، ترددت في أذنه "هتواسيني بإيه؟ حكاوي الأمل كنت ليها راوي" أفاق من افكاره على صوت فوران القهوة، أطلق الشتائم والسُباب، على فساد قهوته بسبب تشتته، أفرغ القهوة من الكنكة في فنجانه الوحيد، خرج إلى الشرفة، الشمس في السماء ساطعة، نسمات الهواء المنعشة، السماء زرقاء صافية، أطلق بصره في الأرض الخالية من أمامه، كان فيما سبق يسعد بهذا الجو البديع لكن ليس الآن، هو يفكر كيف سينتهي به الأمر لو قفز من شرفته في الطابق الرابع، هل سيموت أم سيحيا ما بقي له من السنون عاجزًا! أعد لفافة تبغ أخرى وبدأ في احتساء القهوة، وهو شارد الذهن، كان يتمنى أن يموت قبل اليوم فاليوم ذكرى ميلاده العشرين، كان يتمنى ان يكتفي بالعشرون عامًا.
ارتشف ما تبقى من قهوته، وأطفأ ��يجارته، لعن حياته، ذهب لارتداء ملابسه، وحمل حقيبته، ذهب ليواجه قبح العالم، وجحيم دراسته، ومأساة الاحتكاك مع البشر.
لن نسرد تفاصيل يوم في الجامعة، فهي أبعد ما تكون عن الإنسانية!
ذهب لمقهاه الهادئ، طلب فنجان قهوة، وأعاد ما فعله على الشرفة غير أنه أضاف عليه أن أخرج روايته وبدأ في القراءة.
كانت تجلس في ركن المقهى، تضع سماعة الأذنين تستمع للألحان، سارحة في عالم خلقته لها الموسيقى.
كانت جميلة في أعين الجميع، عيناها واسعة، ذات شعر "كيرلي" برتقالي، وجهها دائري والنمش منتشر عليه، ملامحها رقيقة وبسيطة، لا تضع شيئًا من مساحيق التجميل اللهم إلا شيء بسيط من أحمر الشفاه. ينطبق عليها قول الشيخ إمام: كل عين تعشق حليوة وانتِ حلوة في كل عين.
لأول مرة يتشتت انتباه أسامة عن روايته، بدأت عيناه تدمع لا ادري هل هي دموع سعادة أم دموع حزن، ولكنها بالتأكيد دموع إجلال لما رآه من الجمال.
استجمع شتات نفسه وعاد يقرأ، إلا أنه بين الحين والآخر ينظر إليها من طرفٍ خفي حتى قامت وغادرت.
على مدار الأسبوع ظل أسامة محافظًا على الذهاب في نفس الموعد إلى المقهى حتى يُكحل عيناه برؤياها، شغلت تفكيره لم يعد يفكر في أسباب الحياة وتفاصيلها، بدأ يحب عامه العشرون ويحمد الله أنه عاش إلى هذا الوقت، صارت قهوته الصباحية تفور كل صباح بسبب انشغاله بالفتاة، لم يعد يومه الجامعي بهذا السوء لأنه كان مشغول عنه بها.
اختفت الفتاة يومًا فالآخر، انقبض قلب أسامة وأخذ يفكر هل من الممكن أن يكون قد أصابها مكروه، وأو تكون مخطوبة ومشغولة بتفاصيل شقتها!
ولكن في اليوم الثالث بينما كان يقرأ حتى سمع صوتًا يقول: أهلًا.
رفع بصره فإذا هي، هي بجلالها وجمالها تحادثه، انتفض قلبه، ولمعت عيناه، رد عليها:
-أهلًا
-هل من الممكن استعارة أحد كراسي الطاولة لأنه كما ترى المكان مزدحم اليوم
-طبعًا طبعًا -استجمع شجاعته- إذا شئتي الجلوس معي على الطاولة فلا مشكلة
-بالفعل؟ شكرًا لك، انا آسفة فالمكان مزدحم كما ترى
-لا، لا مشكلة. أنا أسامة
-وأنا نور. شكرًا لك
جلست وخفض أسامة بصره نحو روايته إلا أنه لم يعد للقراءة وظل مشغولًا بها.
-آسفة على المقاطعة ولكن ماذا تقرأ؟
رفع أسامة بصره فوجد أجمل صورة كان قد رآها، كانت تبتسم له، أحكمت الأغلال حول قلبه.
ابتسم لها وقال:
-لا مشكلة، اقرأ الجريمة والعقاب لديستوفيسكي.
-واو، لم أقرأ له. ولكن أعرف أنه عالمي وأنه متوغل في النفس البشرية جدً.
-هذا حقيقي هو عظيم حقًا، ولكن ماذا قرأتي؟
-الآن أقرأ لنجيب محفوظ.
-أحدأدبائي المفضلين وفيما قرأت أحده أفضل الأدباء العرب.
-نعم لقد أحببته جدًا.
-أصدقك القول لقد كنت أراقبك طول الأسبوع الماضي وحزنت قليلًا عندما لم تظهري اليومين الماضيين، وهذه المقدمة غرضها السؤال القادم، ما الذي تستمعين إليه طول مدة جلستك؟
ابتسمت ورقص قلبها فقد كانت هي الأخرى تراقبه طيلة الأسبوع.
-أستمع إلى الكثير ولكن، مؤخرًا استمع كثيرًا إلى مشروع ليلى وآخر زفير.
-إني أحبهما جدًا.
واستمر حديثهما قرابة الخمسة ساعات.
اهتز هاتفها.
-انتِ أيضًا هاتفك على وضع الصامت.
ضحكا وردت على هاتفها.
-لم انتبه إلى الوقت، كان وقتًا جميلًا ولكني مضطرة للمغادرة.
-حسنًا ولكن هل لي أن ألقاك مجددًا.
-بالتأكيد
وتبادلا أرقام الهواتف وغادرت.
غادر أسامة ولأول مرة منذ قرابة الخمس سنوات يشعر بالسعادة!
(١/٣)
6 notes
·
View notes