#يوشيفومي كوندو
Explore tagged Tumblr posts
Text
مسألة غيبلي
كنت أفكر ما إن كان يجرد بي كتابة شيءٍ ما بخصوص الجدل القائم حول غيبلي وإضافة أفلامه إلى نيتفلكس أم لا. ظننت في البداية أنه لا يوجد لدي ما يكفي من الكلام يستوفي تدوينة مستقلةً، لكن بعد بعض التفكير وجدت أنها مسألةٌ أوسع من مجرد حدثٍ عابر، وأن ما سأكتبه هنا قد يكون له قيمةً حتى بعد مرور سنين على هذا الموضوع، وأني ربما لدي ما يكفي لتدوينة قصيرة، فها أنا إذاً.
قبل الوصول إلى إضافة أفلام غيبلبي إلى نيتفلكس أود الحديث قليلاً عن الأمور المتعلقة بغيبلي والتي أثارت الجدل عدة مراتٍ سابقاً، بشكلٍ عام الأمور المتعلقة بصورة ميازاكي وتاكاهاتا. طبعاً أنا ألتزم بمبدأ فصل الفنان عن فنه، فأعمال ميازاكي وتاكاهاتا الرائعة لا ترفعهما لمقامٍ بعيدٍ عن الخطأ، وأخطاؤهما وعيوبهما الشخصية لا تخفض من قيمة أفلامهما العالية.
لا يخفى على كثيرين شدة ميازاكي في التعامل مع العاملين الآخرين في مشاريعه. هو وتاكاهاتا شخصان مهووسان بالتفاصيل ويحاولان الذهاب إلى أبعد الحدود في سبيل تحقيق أهدافهما والوصول بأفلامهما إلى مستوىً أعلى، وهذه العقلية هي ما أنتجت أعمالهما الخالدة في النهاية. تاكاهاتا مثلاً لم يكن يريد إخراج عملٍ آخر قبل موافقته البدء بـكاغويا، وكان شرط موافقته هو أن ينتج عملاً يرضيه تماماً، فخرج لنا كاغويا بعد 7 سنين من العمل المضني خسر فيها غيبلي الكثير من المال الذي يستحيل لأي فيلمٍ مهما كان ناجحاً تعويضه.
على أية حال، لا أذكر أن أحدهم تكلم عن هذه العقلية من قبل إلا بشكل هزلي، سواءً من طرف المعجبين أو من طرف العاملين في الصناعة، كتشبيه مامورو أوشي لغيبلي بالكريملن، أو نشر صور طريفة لميازاكي من أفلامه الوثائقية أثناء تعامله مع الرسامين مثلا. الجدل الحقيقي كان بعد موت تاكاهاتا قبل ما يقرب السنتين، حيث عادت حادثة موت ياشيفومي كوندو (مخرج سابق لدى غيبلي) إلى الواجهة إذ كان يقال أن تاكاهاتا هو المتسبب بقتله بعد إجباره على العمل فوق طاقته. ومع أن موت كوندو كان فعلاً بسبب ضغط العمل بشكلٍ رئيسي، إلا أنها حادثة لا يمكن إلقاء اللوم فيها على تاكاهاتا بكل بساطة وتستلزم بعض التأمل.
أولا فلنتعرف على يوشيفومي كوندو. كوندو دخل الصناعة في سنة 1968 ودخل استديو غيبلي سنة 1987 حيث أدى أدوارا مهمة في ��لعديد من الأفلام، مثل تصميمه الشخصيات في فيلمي تاكاهاتا قبر اليرعات وOnly Yesterday، إلى أن حصل على فرصة إخراجه فيلمه الخاص، Mime wo Sumaseba الذي عرض سنة 1995. دعونا لا ننسى أننا نتكلم عن غيبلي هنا، الاستديو الحريص على الجودة صاحب نظام الإنتاج الشديد والأفضل في اليابان ربما من ناحية جودة أعماله، لذا إعطاء فرصة إخراج فيلمٍ يحمل اسم الاستديو لن ينالها إلا شخصٌ ذو قدرٍ عالٍِ من الخبرة والمهارة.
لا أشك أن شخصاً كهذا، كـيوشيفومي كوندو، لا يصعب عليه أبداً الحصول على عملٍ في صناعة الأنيمي في أي مكانٍ آخر خارج غيبلي بل وبأجرٍ مرضٍ، لن يبقى في مشروعٍ ما أو استديو ما إلا بإرادته المحضة. كما أنه بالقدر والخبرة اللتين لا يسمحان لأي شخصٍ، سواءً تاكاهاتا أو غيره، إجباره على العمل إن لم يرد هو ذلك. هذا أمرٌ قد يحصل مع الرسامين والأشخاص ذوي الأدوار المتدنية في السلم الإنتاجي، أو حديثي العهد في الصناعة. لذا لا أعتقد أن احتمال إجباره على العمل لدرجة الموت منطقي، كما أن كوندو كان يعاني من مشاكل صحية من الأساس.
إضافةً إلى أنني أعتقد بوجود جانبٌ ثقافي نتجاهله هنا. عندما نحلل الأمور ونحكم عليها يكون تحليلنا وحكمنا نابعاً من ثقافتنا الخاصة، ما قد يكون مجحفاً عندما نتناول مسألةً من ثقافةٍ مختلفة عن خاصتنا. يجب أن لا ننسى المكانة العالية للعمل والاجتهاد في الوظيفة لدى اليابانيّين، فالتفاني والعمل لساعاتٍ طويلة قد يكون أمراً عادياً أو محبباً لدى البعض منهم، وهذه الصفة تتضاعف لدى الفنّانّين كالعاملين في صناعة الأنيمي من خلال شغفهم ورغبتهم في صنع أفضل عملٍ ممكن على الوجه الذي طالما حلموا به. لا أستبعد كون هذا الشعور هو ما دفع كوندو للضغط على نفسه وإجهادها، بل وأراه منطقياً أكثر من مزاعم إكراهه على إفناء نفسه، هذا رأيي الشخصي على الأقل.
لكن لماذا نتحدث عن حادثة بهذا القدم، خاصة الآن بعد موت تاكاهاتا؟ السبب هو تصريحات منتج استديو غيبلي وأحد مؤسسي الاستديو توشيو سوزوكي، الذي قال شيئاً مشابهاً لكون تاكاهاتا السبب في موت كوندو (لدرجة قوله أن كوندو كان يرتعش لسماعه اسم تاكاهاتا؟؟) في كتابه الذي صدر مؤخراً. شخصياً ليس لدي أي احترامٍ لسوزوكي كشخص، بغض النظر عن مساهمته الكبيرة في أعمال غيبلي الخالدة، فأي شخصٍ يصدر كلاماً كهذا عن صديقٍ عزيز بعد موته بفترة قصيرة ليس جديراً بالاحترام برأيي.
لمن لا يعرف سوزوكي فهو في الأساس صحفي، كان يعمل لدى إحدى مجلات الأنيمي، ما يفسر بنظري ميله للكلام الفارغ "للتبهير" أو الترويج لمشارعه التي يشارك فيها. فأحدث مثالٍ هو تصريحاته عن كون أعمال غيبلي غاليةً قيمةً لا يليق بها عرضها على من��ةٍ مثل نيتفلكس، ما اكتشفنا أنه مجردٍ كلامٍ فارغ في النهاية، ولا يستبعد كونه قال كلاماً كهذا لمجرد الترويج لعرض الأفلام على نيتفلكس وإحداث بعض الضجة. القرار لم يكن في يد سوزوكي في النهاية، ليس وحده على الأقل، وتأخر عرض الأفلام على نيتفلكس كان ربما بسبب الحقوق وما إلى هذه الأمور، فنرى أن الأفلام غير متوفرةٍ على نيتفلكس اليابان مثلاً، وموافقة غيبلي على بيع الحقوق كانت ربما لحاجتهم للمال أثناء إنتاجهم فيلم ميازاكي الحالي الذي سيكون مكلفاً بالطبع، لا أحد يمكنه الجزم في هذه التفاصيل. المأخذ من هذا كله هو أن سوزوكي "بياع كلام" ويجدر التأكد من كلامه أولاً.
أما مسألة التقليل من قيمة أفلام غيبلي إن عرضت على منصةٍ "استهلاكية" مثل نيتفلكس، فحاولت فهم أصحاب الرأي هذا لكن دون جدوى. "تسليع" الفن مسألة فلسفية طويلة لا إطلاع علي فيها، على الرغم من إثارتها اهتمامي بالفعل. فهناك التوجه القائل بأن المحتوى الثقافي (كالأفلام والمسلسلات) في المراحل المتطورة من الرأسمالية ما هو إلا امتدادٌ لحلقة حياتنا الاستهلاكية، بل امتدادٌ لوظيفتك وعملك، يستهلكها الفرد المرهق من العمل دون الحاجة للتأمل فيها أو لإجهاد نفسه بهدف تهيأته ليوم عمله التالي، وهذا يقضي بالضرورة تبسيط المواد الثقافية إلى صورة نمطية بسيطة سهلة الهضم. هذا المفهوم ليس بالجديد، فهو يعود إلى بدايات القرن الماضي. أنصح بهذا الفيديو للمهتمين بالأمر.
لكن هنا يطرأ على بالي سؤال: من يحدد كيف يستمتع أو يشاهد الآخرون فيلماً ما؟ أو من يحدد حتى قيمة عملٍ ما؟ يوجد على نيتفلكس أعمال أنيميشن لا حصر لها، معارضة عرض أعمالٍ معينةٍ دون غيرها غير منطقي، فكل الأنيميشن فن سواءً أحببت أفلام غيبلي أكثر من غيرها أم لا. أتفهم إن كنت تعارض منهج الاستهلاكية في الفنون، لكن في هذه الحالة يجب أن تعارض مبدأ نيتفلكس من الأساس. لكن حتى هنا ما زلت أعتقد أنه اعتراضٌ يخلو من المنطق، إذ أن وجود عملٍ ما على منصةٍ معينة لا يحدد طريقة تناوله من قبل المشاهد. حتى صالات السينما كانت تقيم ماراثونات لأفلام غيبلي أحياناً. الأمر يعتمد على الطريقة التي تود تناول المحتوى الثقافي فيها، وهنا نعود للسؤال الأول، فأنا أعتقد بأنه لا حق لك في تعليم الآخرين كيف يشاهدون أعمالهم المفضلة. كلٌ يشاهد بالطريقة التي تريحه، خاصةً أن الكثيرين لا يرغبون سوى في الاستمتاع دون إجهاد نفسهم، لا حق لأحدٍ في الاعتراض على هذا. رأيي الخاص هو أن توفير هذه الأعمال الرائعة بشكلٍ قانوني ويسير للمزيد من الأشخاص ليس إلا حسن��ً.
أعتقد أني بهذا أكون قلت كل ما لدي بخصوص المواضيع الأخيرة المتعلقة بـغيبلي. شكراً لكم على القراءة.
6 notes
·
View notes