Don't wanna be here? Send us removal request.
Text
هلوسات الفجر، بعنوان: "الرقبة كنواة"
باغته على حين غرة، إدراكٌ غريب، شبيهٌ بأن تُدرك أنك تتنفَّس، أنَّ عيناك ترمشان، أنك تقرأ الترجمة وتُشاهد في آن، فيضطرب استقرار أنفاسك وكأنك نسيت، يتداخل كونها عملية لاإراديَّة/إراديَّة، يثقل جفناك، تتبعثر الأحرف وتتشوَّش الرؤية، هكذا، عند لحظةٍ ما، تنبَّه إلى أنه لا يميل برقبته إلى جهة اليسار، بعدد مَيله بها لليمين، ثمَّ فجأةً أدرك أنَّ رأسه مُثبَّتٌ عليها، أنَّ تحرُّكاتها غريبة، مُتسائلًا كيف لهذا الجزء المرن من الجسد، أن يكون على صِغَره أشبه بأعمدة مبنى، بساق شجرةٍ تقف عليه بثقلها وتتصل به، في حين أنَّ "الروح" مجهولة الماهية والهيأة والمكان الثابت، بدت الرقبة في نظره كما لو أنَّها مَعبرٌ لها، مَعبرٌ للحياة، تنتهي إذ يميل، وتحيا إذ يجري ماؤه، مُستقرٌ تتكئ بداخله وتغفو، في هذا القالب الّذي يُدعى "الجسد"، إذ لم يكن العَيش به ككُل يمنحه شعورًا حقيقيًّا، أو مُتحرِّرًا بالأصح، في مشهدِ الرواية كانت مايو كاساهارا الباكية تحت نور القمر تشعر أنَّ دموع ظلها هي الحقيقية، وأمَّا الدموع الّتي تذرفها هي فلم تكون سوى ظلالٍ لها، مُع تأكُّدها من عدم وضوح قولها، ومثلها كانت الأحاسيس بالنسبة إليه، فما الجسد إلا ظلٌ للروح الحقيقية، أنه أرض، وهي السماء من فوقه، متى ما صفت صفا، ومتى ما غامت غامَ بدوره، ولربما لذلك تظلُ الأجساد على الأرض، بينما تهيم الأرواح في عرض السماء، لذلك وصل لمرحلةٍ لم يكن فيها جسده المحسوس، بل روحه، إنَّ روحه هي من تحمل كافة الأمزجة، ليست عيناه الذارفة للدموع، بل روحه، ليست معدته المُتوجعة من فرط الضحك وما هي إلا قهقهة روحه، وعلى الغرار، كانت روحه من تذبل وتُزهِر، مُتبدِّلةً كفصول، ليس لأنه لم يولي اهتمامًا لعمره، إنما لم يجد له ارتباطًا منطقيًّا، فعُمره الروحيّ مُنفصلٌ عن المقاييس المُعتادة، وكَذا روحُ من حوله، لم يرى أنَّ الأعمار مُرتبطةٌ بالجسد قط، ولعلَّه سببٌ وجيه لتأكيد من يعرفه لعدم توافق عمره مع مَن هو ماثلٌ أمامهم، لكن غمامة الحيرة لم تتجلى أسبابها عندهم للآن، فما زالت نظرتهم للحياة تميل لأن تكون "لاإرادية"، ما زالت رِقابهم تتحرَّك بخِفةٍ كيفما شاءت.
4 notes
·
View notes
Text
هذيانٌ سنويّ
يستمرُّ ضجيج الحياة وتسارع أيامها كبَرقٍ مُتلاحق، تجرُّ يده مُهرولةً إلى اللامكان، تتداخل الأصوات كخلفيَّةٍ لا مفهومة، يتناهى لسمعه يوميًّا، صوت ارتطامه بالماء، لتغرق روحه مُجدَّدًا وتُستنزَف، فَيحيا مُتمسِّكًا بحبلٍ غير مرئيّ؛ للنجاة وحسب، أما الانعزال ساكنًا فتَرفٌ لا يجد منه إلا فُتاتًا يقتات به بُرهة.
كان عليه أن يُرخي أصابعه لتفلت يده ويتحرَّر هاربًا ما وسعه، لذاته وملاوذه، كي يعلو صوته الخافت وينصِت إليه جليًا بلا إخراس، مهما تراكمت الأغبِرة في زاويته النائية، على لفائف كِتاباته كمَكتبةٍ هُجِرت منذ عهد، مهما صَدِئ قفلها فمَرجِعه إليها، مُجدِّدًا مُلمِّعًا كما لو كان يهفُّ ما يسدَّ مجرى نفَسَه ونفْسِه من شائبةٍ وعَكر، فيمرّ الهواء فيه نقيًّا مُنقيا، إذ أنه يتداوى بكلماته، كحَاجةٍ لا تنفكُّ تستدعيه، كإلحاحٍ لا يضع لِما حوله اعتبارًا، فالأهم إشباعه.
يحتال في كلِّ عام، مُتذرِّعًا بميلاده، ليَصنع به عادةً تحثه على الكتابة، مُسهبًا بها بلا اكتفاءٍ بقُصاصته ومُفرداته الّتي يتعمَّد دسها بين عموم حديثه كي لا تجفَّ، ويفلح ذلك، ولكن ياللوَرطة! المُستدرك بها عودة ذكراه هذه بعد غمضةٍ لم تتزحزح الأشياء فيها إلا ما يكفي لإظهار خط ثباتها، هو اللامُكترث في حقيقته إلا نزرًا يسيرا، مُمتزِجًا بضدَين، كمَن عاش دهرًا من الزمن حتى ثقُل واكتفى، وكمَن ينبض شغوفًا بروح طفلٍ يبغي استكشاف ما تطوله يده القصيرة وما يخفى، لكن الأسوار لم تكن تحجب المُحيط البرَّاق وحده كما ظُنَّ، ولم يُعثَر خلفها إلا على وجودٍ صافع، بدا اللهث بعده بلا جدوى، للاشيءٍ مُحرز، بَيد أنَّ التوقُّف ليس خيارًا مُتاحًا، والسكون المُمتد يُطفئ الوهج، مهما اِلتمَع وجذَب، كأنَّ التذبذب واقعٌ لا منجى منه، كأنَّ النصوص ذاتها يجب عليها الانتهاء هكذا، كمُفترق طُرقٍ تعود له كلما غيَّرت مسارك، كغابةٍ امتلأت أشجارها بعلاماتٍ حفرَتها يدك، كأبوابٍ بعدما كلَّ السعي فُتحت على ذات الغرفة، يظلُّ معها فمك مائلاً باستخفافٍ حائر، مُعتقدًا إنَّ مواصلة التقنُّع بمِرساة الحكمة واللاضياع، سيجعله حكيمًا خابرًا يومًا ما، هو الساعي دومًا -وسط مهاربه- للغوص في مكامن ذاته الظلماء، لإنارة عدسته وقَشع ضبابيَّتها، للصفاء البيِّن الّذي تكون فيه روحه أسمى وأثبت، لانتفاء الريبة لدى إمطار المديح عليه، لسلامٍ لا بأس فيه بارتخاء انشداد كتفه، ولا احتراق تتقد ناره إلا لإحياء زهرته البرِّيَّة.
3 notes
·
View notes
Text
A TEEnager Z
قبل أكثر من عشرة أعوام شاهدت فيلم Inception والذي علَّقته لليوم على جدار التفضيل، رغم عدم تشرُّبي الكامل لفلسفته حينها، ونسياني لتفاصيله الآن، عدا إلتصاق مشهد النهاية برأسي، والذي ظلَّ تفسيره -المُحتمل للخطأ- كما هو عليه، فهمت أنَّ دي كابريو لم يعد للواقع، مثلما اعتقَد، بل دلَّ تدويره لتميمته على عكس ذلك، إنه علق في الحلم؟ لا أعلم فالتحليلات ما زالت قائمة لليوم بشأنه.
قبل سنتين أُقتبست أغنية ايتيز منه وحملت ذات اسمه، كذلك لست خبيرةً بالتحليل، إنما أشحذ من الرمزيات ما تراءى أمامي، وفي ذلك مُتعتها باعتقادي، خيوطٌ رقيقةٌ بين الواقع والحلم، وكأنهما ضمن عالمٍ واحد، بل تتداخل الأحلام ذاتها، أن تسقط من حلمٍ لآخر، أن تستيقظ داخل حلم، أن تعود لواقعك اللا شبيه لواقع روحك.
كان اللقاء بهم شبيهًا بهكذا تشابك، أوهامٌ وتخيُّلات تُنسج ويعتلي صوتها عند سكون الفجر، واقعًا لقد تنامى حُبهم داخلي ببطءٍ وتدرُّج، واحتجت مُدةً من الزمن حتى أعتبر ذاتي مُنتميًا يستحق التسمية، مُدةً حتى أبني دارًا تُجاور بتس وشسوعهم المُحلِّق والغائص، مُدةً حتى يرتكز اسم الواحد وشخصه في ذهني، أي مُدةً حتى أتسع من موسيقاهم لهم.
من بعد عدم قدرتي على حضور حفل بتس، وإجهاشي اللا شعوري بالبُكاء بلا تخفي أو انزواء في الغرفة، ظللت أسعى جاهد��ً للتبيين والإفهام، بين الحين والآخر، إلى أن أدركَ كلُّ من بالمنزل، وخارجه، ولان فكرهم المُتيبِّس، ولو بعض الشيء.
عند المجيء الأول لايتيز في جدة لم يتيسَّر لي الذهاب وقُوبِلت برفضٍ واستنكار، ناهيك عن كيفية الإعلان المُفاجئ وسرعة اقتراب الأمر، كنت اتساءل هل سأبكي من أجلهم أيضًا؟ قابل بدء بيع التذاكر مُفاتحتي لأهلي بالموضوع، اللذين قلَّما أنفعل عندهم لهذا الحد، ففاجأتني قواي الَّتي خارت، ودمعي الذي انهمر، كصنبورٍ تدفقت مياهه بعد انقطاع، تهدَّج صوتي، مُمتزجًا بعباراتٍ عشوائيَّة طفح كيلها، فأنا حقًّا لم أعد تلك الفتاة الصغيرة! إنَّما لم أكد أن أنهي حديثي إلا والتذاكر الأمامية نفدت! تجاوزت باستسلام رغبة الحضور بالقُرب من المسرح، للحد السامح بالاستيعاب ووصف ملامحهم تفصيلة تفصيلة، وارتضيت تنفُّسنا لذات الهواء، لكن ذلك رغم محاولاتي الحثيثة لم يفلح أيضًا.
رفعت رايتي البيضاء مُعتقدةً أنه حدثٌ لن يتكرَّر في وقتٍ قريب، و"هه" ما الذي سيتغيَّر حتى على المدى البعيد؟ كان العيش ثقيلاً رتيبًا، تحت وطأة دائرة العمل والمنزل اللانهائيَّة، مُستهلكٌ للروح، كنت أشعر بها وهي تُستنزَف وتُنهش، مُتمسكةً بأقرب غُصنٍ مُتكسِّر، هاربةً إليها، إلى عالمها وملاذها المُسكِّن للهائج، ولو لسويعات، كنت أسير مُجرجرةً إياها بجُهدٍ وتملُّل، إثر تلك الأغلال المُقيِّدة، لم ترغب إلا أن تتحرَّر، لطالما تساءلت عن الشعور الممنوح من خلال الموسيقى، الحفلات المُباشرة، مُقابلة مُفضَّلٍ رافقك ونال سطورًا وحيزًا من فصولك وخالط أمزجتك وأثَّر بك، وأيَّ خِفةٍ سأمتلك حينها؟ أيَّ ردة فعل؟ أيَّ مجنونٍ غافٍ سيستيقظ داخلي ويخرج؟ هل سيتحقَّق مُناي البسيط هذا يومًا ما؟ أم ستظل الشاشات حدودنا لا غير؟ ولِمَ يكون أمرًا كهذا بتلك الصعوبة؟ ما الذي سيتغيَّر في الكون إن مُنحت ذلك؟
لم تلبث الأسابيع أن تمضي، لم يلبث اتزاني أن يثبت، إلا وبإعلانٍ جديد لإقامتهم حفلاً في الرياض! 1/10/2022 كان بصيص الضوء، رغم تذبذبه، يتمثِّل بالمُدة الفاصلة المُبكرة، ثارت ثائرتي من جديد، فالصمت والامتثال ليس من خصالي، وإن كنت على علمٍ بما أواجه، فأن أخسر مُحاوِلاً ما بوسعي، أهون علَي من انعقاد اللسان والاستسلام، لم أعقد الآمال كي لا يخيب ظني وأتحبط، إذ لست أقوى انهيارًا آخر.
كانت محاولاتي اليائسة أشبه بحبلٍ يرتخي وي��تد، يميل من طرفٍ لطَرف�� حتى حان موعد بيع التذاكر، والَّذي وقعت عليه عيناي بمحض المصادفة وسط انهماكي في العمل، ذهبت مُسرعةً إلى "جنة" صاحبة الاهتمامات المُشتركة، والَّتي تيَّقنت لاحقًا إنَّ لوجودها انعكاسًا من اسمها، كنا نُناقش بارتباكٍ شديد أيَّ خطوةٍ نُقدم عليها بسرعة؟ فلا مجال للتخطيط أو الانتظار، وفعلاً في ظرف دقائق تحوَّلت الفئة الأقرب للون الرمادي، لقد اكتفينا من المرة السابقة، فقرَّرنا شراء تذاكر القولدن فورًا، وليحدث ما يحدث بعدها! إما أن تعطف الحياة علينا أو نبيعها بكَتفٍ مُرتخي ورأسٍ مُنحني لأسفل.
لا أعلم هل كان إقدامي هذا وتقديمه أمام أهلي صيَّره واقعًا لا مفر منه؟ هل زالت به غمامة تبصَّروا من بعدها على مدى جديَّتي وإصراري؟ دارت بيننا مُحادثاتٌ طويلة طُرحت خلالها خياراتٌ عديدة، إلى أن استقرت على موافقة أخي لإيصالي ومُرافقتي، أخي المُعتدل اللا مُتزمت واللا مُنفتح بلا حدود، لا أجد وصفًا مُلائمًا إلا "مُعجزة" من باب عدم توقع اقتناعه وتأكيده للذهاب!
عشتُ أسبوعًا باستيعابٍ مُتخلخل، نتساءل فيه، أنا وجنة، عن حقيقة اقتراب حدوث ذلك؟ بجانب مُطاردة الهواجس، ولربما لكَوني شخصًا لا يتفجَّر إدراكه أو حماسته إلا عند مَقدم اللحظة الفعليَّة، بقيت بنظرةٍ فارغة لم ينفك أن يُراودها استعجاب "سأرى وأرى وأرى؟ أمامي؟ بأُم عَيني؟ جلَّ ما تخيَّلته مُسبقًا؟ بلا وسيطٍ ناقل أو حاجز؟ سأستمع بأُذنَي هاتين؟..."
حان الموعد وشددنا الرحال، انقضى الطريق بساعاته الأربع بسرعةٍ أكبر مما اعتقدت، فحتى كتابي لم أطلّ إلا على بضعٍ من أوراقه، وحلقاتي التي راكمتها احتياطًا لم أكمل منها إلا واحدة، تأكدت أنَّ مضي الزمن يتمدَّد ويتقلَّص بحسب أسبابنا وشعورنا نحن، برغم استمتاعي بمحطاتنا الَّتي سبقت الحفل، لكنها لم تتجاوز التمضية للوصول وحسب، اتضحت ربكتي وانفصالي عمَّا حولي فور دخولنا للبوليفارد، لم أمتلك اهتمامًا للتعرُّف على المكان، لم أرغب في استهلاك طاقتي والابتعاد، كان جسدي -المُتمسك بالبنر- يتحرك بهدوء من تلقاء نفسه، مُتجهًا وباحثًا عن المسرح، وإن تبقت ساعتين أو أكثر، اتسعت عيناي حين تناهى إلى سمعي وسط الضجيج صوت "ذا ريل" مُتشككةً ومُلتفتةً للمصدر، إلى أن وصلت للمسرح وتأكدت من قيامهم بالبروفا داخله، هم من بالداخل! تفصلنا خطوات لا أميال!
لاقيت جنة، ولعلّ احتضانها كان اللحظة الأولى الَّتي خرجت فيها تفاعلاتنا واستوعبنا معها ما نحن بصدده، استغرقنا وقتًا لانتهاء الطابور الطويل، والذي صادفنا فيه العديد من الأشخاص وأجرينا محادثاتٍ من أبسط ما أجريت في حياتي وأشدها عفوية، إذا كان يكفينا سبب اجتماعنا المُشترك.
كان الدخول للمسرح، على صراخ المعجبين من مُجرد تشغيل الأغاني، أشبه بالدخول لشاشة تلفاز، وهذا تشبيهٌ وشعور رافقني لاحقًا لآخر لحظة، واجهتنا بعض المُعوِّقات إلى أن تجاورت مقاعدنا أنا وجنة قبل البدء بدقيقة، كان صوت الموسيقى يضخ القلب ويزيد من نبضه، غريبٌ على السمع وقعه، إلى أن ألفنا الجو القائم ككُل، استمتعنا بأداءات الفِرق الأخرى، وخمّنا ظهور ايتيز في الأخير لقوتهم، لكن لم نضع في الحسبان ما حدث فجأة، لم ينتبه أحد لصعودهم، بمُنتصف المسرح وقف أمامنا "هونقجونق، وويونق، سان" ثُلاثي فكَّرت مُطولاً فيه بالذات، وهنا انفكت الأغلال واعتلى صراخ روحي المُندهش، التفتنا لبعضنا مذهولتين، لم أستطع ترجمة شعوري إلا بالصراخ، للحد الذي أدهش من أمامنا حتى، كان عقلي يحاول إدراك إنهم أمام ناظري، ذاتهم بشحمهم ولحمهم، هم حقيقة، أو أنا حقًّا ولجت لعالمٍ آخر؟ وكأنَّ سحرًا نُثر من فوقنا وأمطر، مُبدلاً أيَّ ثقلٍ يعتريك، وتاركًا إياك بخِفة طير.
مللت من ذاك واستلطفت ذاك وجُذبت لآخر، تدربت على التصوير، بحيث أجد زاوية جيَّدة لا أحتاج منها للتركيز على الهاتف، حتى حان دورهم وضجّ المسرح كما لم يضجّ، كان مقعدي -وياللحظ- على مقربةٍ معقولة، سامحة بالرؤية والإدراك، اهتزّ المكان بأسره مع "قيرلا" فهُم الآن جميعًا، واحدًا واحدًا، أمامنا! كان صراخي مُتقطعًا، ينخفض حينًا ويعتلي حينًا، مضى ما بعدها بطرفة عين، كنت أُوزِّع نظراتي ووِسع ما أمتلك من التركيز على ثمانيتهم، أُخزِّن مع كلِّ رمشة واَلتقط، أنا استمعت لعديدٍ مما أردت أن أتذوَّقه بأُذني، وتساءلت عن مدى روعته الواقعيَّة، وياللروعة! كانت دقائق مُستحقة العناء، لم يكن هروبًا من الواقع، بحجم ما شعرت أنه مجيءٌ له بعد مُسايرة العَيش.
أصيغ أسطري هذه بعد مرور أسبوعٍ مُزدحم كنت اقتنص منه الوقت، تكرارًا للتوثيق، في يومها ذكرت إني ذقت لِذة نيل أماني كان أقصاها أفكار ما قبل النوم، إنَّني شاهدت لاحقًا من القريبين للمسرح لحظاتٍ لما أشاهدها من موقعي، ولكن المُضحك والدال على اجتماع كلِّ ذلك معًا، مثلاً علمت إني اِلتقطت سانهوا، وجونقهو السعيد ببَنر ميلاده بين يديه، بعدما اعتقدت إنه لم ينتبه له، كنت أستشعر كون عزيزي هونقي قياديّ، كما عجلة سفينة، الكابتن الخاص بنا، لكنّي أدركت إلى أي مدى هذه الهالة تُحيط به ��يشع بها، حتى بلحظة اعتلاء جميع ال��نانين للمسرح، كان المُتحدث المُختتم، والأجدر بأن يكون، كان قائد الحفل كله بنظري، لم يكن حجمه أكبر مما تخيَّلت، كان بإمكاني سرقته والفرار به بعيدًا، طاقته وهّاجة فاحت بالجو، جعلني استوعب إنَّ الحُب الذي أكنّه له أكبر مما اعتقدت، ناهيك عن فوزه بالقسم الأكبر لصراخي عنده، كانت عيناه مُتلألئة بالحُب، فيّاضة مُتعمِّدةً إغراقنا بالدفء ما أمكنها.
رغم تغطية سان لوجهه، كان بارزًا جذَّابًا يُثير الاندهاش لدى ظهوره، مُمتلكًا لشخصيةٍ واثقة ولطيفة في آن، يعلم تأثير الإيماءة منه والنظرة والكلمة، فمتى يطلب صُنع الضجيج إلا وتجد نفسك مُنساقًا مُثبِتًا، لم أرتوي منه بما يكفي، كأني ارتشفت رشفة تسد العطش وحسب، كان مُذيبًا لا يُشبع منه، وويونق كانت مُنبسط الأسارير وساحرًا، لكن بدى عليه بعض الخجل أو الإرهاق؟ لا أعلم ولكنّي مُتيقنة بوجود جانبٍ لم يظهر منه، أما عن مينقي فعند كل جزئيَّة له كما لو أنَّ حريقًا يزداد اشتعاله، واجتماعه مع هونقي وتتالي أصواتهم ونبراتها المُميَّزة وامتزاجها كان من ضمن تأمُّلاتي ومُناي، سونقهوا ويونهو أيضًا كانا المُطلقين لأرواحهما العنان بعفويةٍ وانطلاق، امتلكا من الطاقة المُفعمة الواصل لك رغبة الإمداد بها وصنعها، عند كلِّ هاينوت إلى جونقهو كنت أرهف سمعي ويدي تغطي فمي، فمَع كل أداءٍ شاهدته له كنت اتساءل فكيف بالواقع؟ صوته ينساب للروح ويستقرّ في قعرها صادحًا في نواحيها، كما لو أنه لم يكن صوتًا من الأرض، كان مُتأنِّقًا، ومتى ما ابتسمت عيناه صار وديعًا وإزداد لُطفًا، يوسانق كان كما أراه، أميرٌ وسيم مُريحٌ النظر إليه، نقيٌ ولوجوده أثر مُداعبة النسيم للخد، رغم رغبة عيني المُلاحقة بالمزيد منه، بالمزيد منهم أجمع، وأقرب.
ما تلى ذلك اليوم كان أشبه بآثار ثمالة؟ انتشاءٌ سعيد ينسحب من جسدك، تاركًا خدرًا يُرافق يومك، أشبه بالشعور المُرافق لما بعد السباحة في بركة، أن تبقى طافيًا، ما زلت أستيقظ وأصواتهم تستيقظ معي، بعينَين سارحة بأشكالهم قِدامها، يتشوَّش وعيي ثمَّ يعود، أُمارس حياتي المُعتادة كمُجرد كائنٍ سائر، أُفكِّر في حقيقة تواجدي تحت ذلك السقف، سقف عالمٍ يُشابهني، وكأن العَيش فيه تعريف العَيش بحد ذاته، وما الأيام الروتينيَّة إلا ورطة أبحث فيها عني.
أما عمَّا تلاه فأنا الآن اتزوَّد بتجربتي هذه، تتغذى بها روحي متى ما أُنهِكت وتتشافى، بعدما ذاقت ما يفوق تحرَّر الصراخ في لعبة ملاهي مُخيفة، أُشحن بالخِفة، متى ما أُثقل كتفي، فهُم صعدائي المُتنفَّسة، وإنَّ الحياة بذلك لمُستساغةٌ وأقلّ مر��رة، حين أُشاهدهم في أيِّ مكانٍ آخر أبتسم، أي لا بأس فأنا أيضًا لاقيتهم يومًا ما، وإني لأرغب في التبسُّم متى ما تذكَّرت، على امتداد العمر، فما هذا كله إلا رجاءٌ لذاكرتي الهشة، أن تشدّ على كلِّ مشهدٍ عشته بصُحبتهم، خوفًا أن يتلاشى مع الزمن أو تبهت ذكراه، حتى مع ضبابيَّة المُستقبل، أرغب ببقائهم مُتوهِّجين داخلي، مُوهِجين لروحي.
5 notes
·
View notes
Text
LIFE GOES ON
مع كلِّ تاريخ ميلاد يُقارب الدخول توهمك الحياة للحظة -وبلا سببٍ بائن- بحدوث شيء خارق ولا اعتياديّ، كشخص غير مُدقِّق لم أولي اهتمامًا إلا حينما أشارت مُديرتي لحلول ميلادها بعد يومين، أثناء طريق عودتنا، استندت باعتدال، بعدما كنت مُتمدِّدةً بخَدر على الكرسي كبالونٍ تجعَّد بعد خروج الهواء منه، توجَّب علَي أولًا التوجُّه لتقويم الهاتف، واستيعاب تاريخ اليوم، والعجب، أشارت الساعة إلى "11:59" أي كان يفصلنا دقيقة واحدة عن دخول ميلادي بالهجري، والذي لدى مجيء شهره غضضت البصر، أو نظرت له بعينٍ مفتوحة جزئيًّا؛ لربما لاحتفالي الأبري��يّ في وقتٍ قريب، وللطاقة اللازمة لمُجاملة التهنئات وكأنه حدثٌ عظيم، أيًّا كان، طلبت دقيقةً من السكون وصمّت من بالسيارة، مع اعتلاء الاستفهام عليهم فالإدراك، ويا لها من دقيقةٍ طويلة! تأمَّلت فيها مقدار خطوات الثواني، كأقدامٍ خفيَّةٍ على رمل، تترك أثرًا ما يلبث إلا ويتلاشى، دقَّت الساعة "12:00" تلقيت تهانيهم، ثمَّ تساءلت باستنكار، كمَن ينتظر شيئًا يجهله، حسنًا؟ ماذا بعد؟ لم يتغيَّر شيءٌ من المشهد، لم تشرق الشمس في غير موعدها، لم تنبت شجرة فاصوليا وتخترق السحاب حتى اتسلَّقها، لم تسقط نجمةٌ من السماء وتحطّ متوهِّجةً على يدي، لم يقف في طريقنا سرب حمامٍ عابر ويتراقص مُصفِّقًا بجناحيه وشاديًا، لم يُحلِّق موجٌ من البحر ويخطَّ عبارةً على الهواء لأجلي، لم تتحوَّل الأشجار إلى "زحليقة" خضراء تصل بي للمنزل من باب التغيير، لا شيء، عدت للمنزل، بشعور أقرب لنسيمٍ مُداعب، مُدركةً سبب استئذان زميلاتي وطلبهنّ المجيء غدًا وحدهن لا معنا، أنصَتُ لقصة خروجي من رحم أمي على لسانها، وكأنّي الباحثة في عتمةٍ مُحاوِطة عن منفذ ضوء، وكأنه شقاءٌ مُمهِّد، وبالحديث، أخبرنا سائقنا -المُحاطة به هالة السائقين الخائضين الحياة خوضًا والمُمتلئين بحكايا الكبار الحكيمة- أنه عايش شعورًا مُشابهًا حينما أتمَّ الأربعين من عمره، تلفَّت مُترقِّبًا، عاثرًا على اللا شيء، لم يجد صيت "الأربعين" الذائع والذي سمع به طيلة عمره، لم يُلامس ذاك النُضج المُشع كما شاع عنه، لقد تأكَّد من حقيقة أنَّ العمر لا يعدو أن يكون رقمًا، لعلّها خدعةٌ ما مُتداولة، وعليها، رجحت بدوري إزالة طبقة "الغرابة" المُغلِّفة اعتقادي وجود قفزة مُختلفة، كمساحةٍ تفصل بين جبلين، لدى وصولي مُستقبلًا الثلاثين من عمري، لمُجرد كونه رقم جديد لمنزلة العشرات، أي يُرافق ذلك اعتدالي أمام دهشات الآخرين من كَون أحدهم يبلغ من العمر كذا أو كذا... -قفزة مواضيع تتوالد وتتوالى في رأسي بارتباطٍ يعلمه وحده-، مؤخرًا، تكوَّنت لدي أفكارٌ وجوديَّة غير مُقتنعة -اقتناع كُلي- بفورية قول "خُلقنا للعبادة" كإجابة وافية كافية، وكأنَّ قائلها يُلقيها بعد أن تلقَّنها وحسب، غير مُكلفًا نفسه عناء طرح -ولو على ذاته- تساؤل "أوليَس الخالق غنيٌ عنّا ونحن الفُقراء إليه؟"، قبل عِدة أيام، وجدت مؤيدًا لقَولي هذا، زاد عليه اعتقاده أنَّ هذه الحياة بنظره إنما منحةٌ للتعلُّم، رحلة جسديَّة/روحيَّة/عقليَّة...، استوقفني، رغم بساطة فكرته، وتعقُّد فِك��ي الباحث عن الحكمة، "رحلة روحيَّة" لِمَ لم أُفكِّر بذلك مُسبقًا؟ صرت اتأمَّل وصفه هذا إلى أن لامسني دفئه، ومَنحني سكينةً ما، أنّنا أشبه برحَّالة تجوب البر والبحر، مُعلِّقة صُرَّة تحوي داخلها بئرًا لا يفوض، نُلقي في غزارة جوفه كلَّ ما نمرُّ عليه من دُربةٍ امتصصنا منها أو امتصّتنا وعركتنا.
4 notes
·
View notes
Text
2521
عندما وصلت مُذكرات هيدو إلى يدها بعد عقود، عاودني ندم عدم كتابة واحدة، باختلاف مُحاولاتي وامتدادها، كان مشهدًا مؤثرًا، طافحًا بالدمع كما صنع بي كله، تركني اتساءل عن شعور القفز بالزمن لفترة مُعاشة باتت ضبابية، وأيّ تفاصيل ستُسترجع معها وتتجلى، وأيّ شبابٍ مررت من خلاله أصلًا؟ إني أتنفّس الكتابة، أتنفّس المجازات والعبارات المتوارية بلا إشارةٍ صريحة، أجد صعوبةً في تدوين حدثٍ ما، تباعًا لاعتقادي بفتور حديثي العادي؟ أو استمرارية همس "رتابةٌ لا تُذكر"؟ أوغل في إخراج المشاهد، مما يجعل صورتها البسيطة شائكة الإلقاء، تُساهم تخيُّلاتي أيضًا في إنفجاري ضحكًا، بطريقةٍ تترك شرحها مُضجرًا تافهًا، بتفاهةٍ وحدي أُشاهدها في رأسي بينما يكفي الجلّاس الضحك على ضحكتي ذاتها المُلقية بي أرضًا.
على سبيل المثال، أعود من العمل مع الزميلات بسيارةٍ واحدة، وذات ليلة أثناء تشكي مُديرتنا من أسئلة المسؤولين اللا منطقية قالت باستنكار إنها أجابت على سؤال أحدهم "ستحادثيني وتعلميني بالهاتف؟" قائلة "إذًا بالحمام الزاجل؟" ضحكن جميعًا ضحكةً قصيرة، إلا أنا أدمعت عيني فجأة وبدأت نوبة ضحكي المكتومة المصحوبة بضرب أي ما بجانبي، فصرت أشرح لهم ما تصوّرته، أي ماذا لو عوضًا عن الاتصال والإرسال وقدوم الموظفين للمكتب وإعلامنا بما يودون وخروجنا نحن لهم، ماذا لو استخدمنا فعلًا حمامة زاجل؟ نربط ملاحظتنا في أقدامها ونرسلها لهم؟ فتعود حاملةً الإجابة وهكذا دواليك، ولا يكتفي رأسي بهذا فقط، بل تستمر مُبالغاته، فما ترك الضحك يمتد ويعلو إن الحقيقة لن تكفينا حمامةٌ واحدة، لكثرة المعلومات المتطايرة سنحتاج سربًا من الحمام، وعندها سيكتظ المقر بهم، حمامةٌ ذاهبة وأخرى قادمة في الدقيقة التي تليها، وهذا منظرٌ كوميديّ، قد تبدو حكايةً بلا طعم، لأنك لم تكن فيها، وإن كنت، فأقلته ستكفيك الضحكات إن لم يصلك كامل المشهد.
البارحة أثناء نوبةٍ أخرى، والتي بدأت أشك في أنّ انضغاط الشُغل إحدى مُسبباتها، أخبرتهن "الآن سنمر من عند المزرعة وينبح الكلب كما كلِّ ليلة، أيُّ حياةٍ هذه؟ ذات المشاهد ذات المشاهد تنعاد!" لعلّه حديثٌ مُبهمٌ آخر، لكنّي فيه أراني داخل فيلمٍ بطله محبوس وعالق في يومٍ واحد، يستيقظ -بمشهدٍ مُتسارع- بتكرُّر كافة التفاعلات والتنقلات هنا وهناك، منه وممن حوله، من غير قدرةٍ على الفرار، فحتى نُباح الكلب لا يُمكن تغييره، وهذا ما يجده شخصي مدعاة للضحك.
كما ندرة البكاء، فاعتلاء الضحك وخروجه بهذا المستوى له كفة متساوية لدي، وبطريقةٍ ما، تمنحني ثواني الاثنتين لحظة انتشاءٍ غريبة، مُزيلةً، ولو لوهلة، لكلِّ ثقلٍ وحِمل، لحظة خواء لا تسمع فيها إلا هواءً عابرًا، على أنها ما تلبث وتعيد مجرى الحياة وضجيجها المُتداخل والساحب.
5 notes
·
View notes
Text
بين نَيسانٍ ونِسيان
ينتقل المُعلِّم "بوتشان" إحدى شخوص ناتسومي سوسيكي، لقريةٍ يابانية ريفيَّة، وتزامنًا مع مُعاناته، لقيتُ أنا بلا قصد، أُنسًا مواسيًا في التذمُّرات على لسانه، وفي باطننا المُستنكِر بصورةٍ مُتقاربة، إذ ما الفارق لو كانت قريةً أو عقولًا؟
لم أجد استهلالًا، أو خيطًا مُنسلًا أجرُّ به كُرة الصوف المعقودة والمُتشابكة، لم أجد مُستقرًا، أو كفةً مُتأرجحِة لأعلى، كانت الخيارات ترفًا لا يُتاح، الرغبة/الطموح/الأحلام.. مُصطلحاتٌ ضبابيَّة تُحيط حاجبةً للرؤية، وما حلَّ لدى تبدُّدها إلا قوالبٌ عاجِنة، صاهرةٌ مُشكِّلة، كجدارٍ عتيق، تُغطيه الخربشات، يُصبُّ عليه طلاءٌ جديد، ما يلبث ويجفّ إشراقه، إلا وأُزيل وطُمس، مُتكدسةً الألوان عليه ومُذبذِبة، كان كفيلًا لهيأته أن توحي بالاستناد والثبات، ككهلٍ أشعث برداءٍ لا حيلة إلا ترقعيه بأقرب ما يُطال، لم يعي إلا جزءًا من كرمَ الحياة، الأشبه بطريقٍ وعِر، الصافعة لخده بيَد، والمُمسكة بثلجٍ مُبرِّد بالأخرى، يُجاهد العَيش، موجدًا نُقطة اِلتقاءٍ ونفَس، بين تُخمة الخواء، وتجوُّف الاكتظاظ، كابتسامةٍ راجِفة، لم تُمنح شسوعًا أخضر، ولم تُلقى في جوف بركان، فالأرض لم تعثر على ��نوانٍ واصف، كأنها خليطٌ مُبهم، من شذر فِردوس وشرر سعير، لا مفرّ إلا مُجاراته والارتواء بتجرُّعه، مُحاوطًا بإعصارٍ أو تحت ظلٍ دافئ، مُتلقيًا لريحٍ عاصفة أو نسمةٍ مُداعبة، مُتقافزًا فوق ريشٍ أو شوك، ديمومةُ انصقالٍ شئت خوض غِمارها أو أبيت.
2 notes
·
View notes
Text
مُتلصِّص
يبدأ موراكامي روايته "ما بعد الظلام" بجعلنا كما مُصطفين أمام منظارٍ مُقرِّب، دُخلاء من عدسةٍ على المشهد، فيصفنا بالمُتلصِّصين على إيري المُستغرقة في النوم بمنظرٍ مثاليّ، وكأنّ الصفحات بابٌ اختلس النظر منه كلما شرعت في فتح كتاب/حيوات، بيد أنّني، وفي أحايين كثيرة، أجدني فوق مشاهدي أنا، أنظر لها من علو، كشيءٍ لا يمت لي بصِلة، مُتجرِّدًا من جسدي، مُنسلخًا، أُراقب حياة غريبٍ بائس، مُختلقٌ لملاذاتٍ وملذاتٍ يتكئ عليها بوَهن، أُشاهد بانخراسٍ تسارع الزمن من تحتي، مُخلِّفًا إياي في غمرة التهاءاته، كالمدهوس أثناء ركض جموعٍ جازعة، لم يتسنى لأحدٍ الالتفات إلى يده المُستنجِدة، حتى غاب في غياهب النسيان، وكأنه لم يُوجد يومًا، يالذلك السائر المُتجوِّف، المُحاكي للعَيش، المُتجرِّع لليأس والرضا في آن، والضاحك بخشخشة زجاجٍ مُتكسِّر، العبثيُّ القنوع، والحكيم المُستهتر، المُتنشِّق للهواء الفائض، والمُختنق به، المُتخلي والمُنتظِر، اللامُبالي والآبِه، المُتوهِّج والمُنطفئ، المُتأجج والخامد، المُدرك إلى حدٍّ يعصى عليه فهمه، الساعي لفكِّ أغصانه واقتلاع تفرُّعاتها المُفرطة، فهذا الطفح يُغرقه، يكفيه سطحٌ يتوسَّده، توالى عليه الضجيج أو غمره السكون، إن صار مرئيًّا وولى عهد شفافيته فخير، وإن ظلّ نسيًا منسيًّا فخير.
1 note
·
View note
Text
في فضاء التفوّهات
حينما أُغمض عيني مُنصتةً للكم المُتداخل من الأصوات في أرجاء رأسي ونواحيه، عازلةً بعضها عن بعض ومُفككةً لعُقدها الأشبه بسمّاعةٍ هرئة، اسمع عزمنا أنا و��ديقتي العائدة لدراستها خارجًا "هذه المرة سنتواصل" واتذكر اسم البرنامج المركون جانبًا بعدما اتفقنا على مشاهدته ونقاشه، ثمّ يعود بي السمع لاجتماعي في السيارة مع ثلاثة رِفاق يوم لقاءٍ طال أمد مجيئه، وترديدنا قبل النزول -بصدق- "لا مانع لدي، فلنجد يومًا ونخرج"، كما تتهافت على مسامعي أشبه بأمواجٍ صوتيَّة، يفصل بين الموج والموج منها ما يزيد عن سنين ركودٍ يصعب إحصاؤها، يرتفع مدٌّ، ما يلبث إلا ويركد، كلما قابلت عمي الأحبّ واحتضنته، فيعيد بتلك السويعات أسطوانة أنّ العمر يمضي مضيًا مُرعبًا، ولذلك يُفترض علينا -نحن المُقصِّرين جميعًا- استغلاله كما يجب وعدم التكاسل ولوم الزمن، وأن نهدم جدار حتى ذاك المنطوي المُنعزل ونشعره بوجودنا، مُتخلِّلًا لحديثه بوجهٍ جاد نكاته السخيفة التي لا يضحك عليها أحدٌ بقدري، "هل ترتدين ملابس طِب في الصورة؟ مَن طبّ مِن على العمارة؟، منذ زمن كنت ألعب مع طفلة، اسمها آية، لكنّي أُناديها قرآن، لِمَ آية واحدة؟"، تُزاحم نهاية ضحكي غصة وتنهيدة لا تكاد تُسمع، إنّني أتفهم ما سلف كُله، وأتقبَّل لكوني جزءًا منه، مُساهمًا في تعزيزه، إذ مهما تقاعسنا وتهاونا، فنحن على وعيٍ وإدراك لحقيقة تصرفاتنا، لكن الغثاء الأشدّ حملًا، بصوتٍ كمادةٍ لزجة على السمع، لِمن يمتزج سيل عتابهم الدائم بجهلٍ وتعامي أُجاهد بابتسامةٍ جافة كبتَ انفجار الكلمات الطافحة والمُبتلعة أمامهم، فمهما كنا الطرف المُبادر وحده للوصل، لدخول قوقعتهم المُتعذرين بمُلازمتها، فلا مناص ومفر من استقبال فكاهتهم المزعومة على شاكلة "أين كنتم مُسافرين؟ كدنا أن ننسى أسماءكم" والويل مصير من يُعارض قناعتهم!، إن كان للتصبُّر أجرًا فجانبٌ مني بَحَّ صوته بلا حاجته له منهم، مُفكِّرًا في أنّ مشهد اكتفاء البطل وصبّه لِما فاض في جوفه هو المُفضَّل والشافي للغليل، فاتساءل -بتشوّق- من على خشبة مسرحي: متى ستقع دائرة الضوء فوقي ويحين موعد مشهدي الحاسم أنا؟ متى ستكسر صرختي زجاجي العازل وتُحلِّق مُتنفِّسةً مُنفِسة؟
5 notes
·
View notes