عدت مجددا، هنا.. كما يعود المغترب للوطن، و بعد اللهفه الكبيرة للقياء الأحبة، و بعد التسليم و الأحاديث المشوقة السلسة العفوية المليئة بكل شي، حتى رجفة اليد و رعشتها عند التسليم، حتى التلعثم بالكلمات الأولى عند اللقاء، أول كوب من الماء بعد هذا السفر المتعب، و النظرات التفقدية على الأوجه و الحيطان و العيون الضاحكة الباكية، و بعد أول ليلة، و أول أسبوع، يجلس المغترب أسفل الشجرة التي لها كل الذكريات، في بستان يحمل في طياته الضحكات و القهقهات و الندم و الحزن.. عدت مجددا للقراءة كما المغترب لوطنه، كما و كأنها السنين.. السنين مضت بعد غربة عجيبة، الآن ظل الشجرة أكبر بكثير، الاغصان أكثر متانة، الجذور أعمق انغماس في الأرض، وأنا جالس أنظر على طول المدى لعلي ارقب شخص ما يأتي من بعيد...
رواية غربة الياسمين هي غربة بحد ذاتها للقارئ وليس للأشخاص الذين يمثلون السيناريوهات.. نحن أقصد للمره الألف "أنا و قلبي".. غرباء عن هذا المشوار الطويل الذي لا ينتهي..
القارئ المسكين الذي تعلق جدا بالرواية، و ليس هناك من يسمعه أو يصغي اليه، وأنا هنا حيث لا أحد يهتم لمكاني سوا نفسي..
غربة الياسمين.. جعلتني في غربة حقيقية عن العالم و الزمان و المكان.. غمرتني جدا بكلتا يديها بقوة، جذبتني لها بقوة فاقت كل القوى، سلبتني من حياتي..
حيث لم يعد هناك متسع للحياة الواقعية، غمرتني حتى اغوص في بحرها أكثر فأكثر، حتى لا استطيع النجاة منها، و هذا ما اطوقه بأن اغوص في اعماقها و اكتشف المزيد...
"تعبٌ كمِثلِ أن تنتبهَ فجأةً وتجد أنك في المكان الخطأ في اليوم الخطأ وتجد أنك، نفسك، الرجل الخطأ. ومع ذلك تتظاهر بأن ما وجدته في هذه الأخطاء كلها هو الصواب الذي أتاح لك أن تحيا إلى الآن، وحين تنهار الأشياء من حولك، وتقيمُ على العتبة طويلاً وكثيرًا وبإفراطٍ ما بعده إفراط، تَحسبُ أنه مُجرد تَعَب."