Don't wanna be here? Send us removal request.
Text
دقت الواحدة والعشرون عام
الساعة الآن الثانية عشر من منتصف الليل، أعلنها صوت مذيع الراديو كما أعلنتها ساعة الحائط بإصرار عن طريق خمس دقات جعلتني أنظر لبندول الساعة الذي يلوح لي بإنعكاس الضوء على كفه المذهب. حسب التوقيت العالمي أتممت الآن واحد وعشرون عاما، دفعوني نحو مرآتي لتأمل وجهي الباهت وعنقي المحبب وجسدي الذي رُسمت منحنياته بقلم فنان ترك توقيعه عليْ بعينين لامعتين وطابع حسن مستتر. يقولون أني نبت من تشقق كفاي أمي، وأني مثلها أحمل الهموم كسنام الجمل وأُنبت الحب مثلها كما تُنبت الأرض الشجر. الآن أذكر لهو الطفولة كلها وأكاد أُفَصّل الروائح وأعدها، أستشعر حليب أمي في فمي وصوت جدتي، كفوف بيتها الآن تربت على رأسي، وأكاد أرى هالة جدي تجالسني كما سبق، يستعيذ الله ككل ليلة ويواجه الحائط، يتلو علي ما تيسر حتى أنام، في غرفة تضم آخر مرقد له في الدنيا ألتحف غطائه حتى يؤانس وحدتي. من حد شوقي آراك أو من حد هلاوسي، تلك الأمور لن تغير من العادا�� شئ، نسيت اخبارك أن الألم يشتد كل ساعة من فراق، الآن تدمع عيناي للفراق، كما عاهدتك أتابع أنفاسها سراً ولا تغفل عيناي إلا على رقع الأواني وتشوش الراديو. الكون سابح ومُسبح ومَسبح، يجترني عد النجوم وجمعها مد البصر، أُفَصل النعمات كحماماتي النائمات في عشها، الآن تعلوا أصواتهم ويدب في يداي الأمل، أغزل الآن حقيبة سوداء ستصبح رفيق السفر، يأخذني سحر إنتظام نسيجها إلى قمم الجبال بنظرة. موسيقى الكون بعد الثانية فجرا إخراجها ناجح وإنعكاس أضواء السيارات المارة ليلا يزيد الليلة رومانسية، أتذكر اختبائك تحت سريري يوما! منذ يومان عانقني صديقي متمما أني لم أصل حد انهياري بعد، فذكرني بتعلقتك بحافة شرفتي، نسيت حد الإنهيار ونسيت انهزامي. مرآتي تعكس الأيام بدورة مع إنعكاس ملابسي، تتكرر الأحداث رغم تغيير الديكور وجز شعري مرتين، أخشى مواجهة حبيبي السابق مرتين وأراه يصفعني مرتين، وأخشى إفتقاد صديقي أكثر من ثلاث مرات يوميا حتى لا يصيبني الأمل. أفرق القبلات على كل صديق بالتساوي حتى لا أظلم أحد ودائما تأتيني أحدهم متنازعة على قبلة إضافية، لو أنك هنا الآن لأخذت كل القبل! جدلت لي خصلات شعري مرتين، وقبلت عنقي ثلاث، واحتللت قلبي مرة، ورحلت، لم يطأه زائر منذ الرحيل. الآن أخشى تكرار المواقف والقصائد وصرت أواعد رجالا لا يقرؤن، الجهل بريتا خيرا من خيانتها، والجهل بعينيك خير من الاستسلام لشعاع عابر منهما إلى قلبي. العام أكلل الهزيمة كما كللت الإنتصار، أجني ثمارا أشتاق تقبيلها. الآن ألتحم مع الحياة التحام الشفاة بغيرها، تندلع البراكين وتولد منها حياة. أود كتابة الوعود ومعاهدة نفسي بالسلام، لكن الحروب لا تنتظر، الحرب حرب وإن كانت بلا دماء.
0 notes
Text
ما يحدث بين جدران الوحيدين
الليلة أكثر حزنا من البارحة، ورغم ثبات المحيط وعدم تغير لوني إلا أن داخلي يحترق، وبشدة. قدماي بنفس ثبات خطواتها ولكنّ عظامي تلين، حتى أشعر وكأنها امتزجت بلحمي. عل ما تركني الجميع لأجله يستحق، كلما عاد أحدهم بخُفيه تتلاطم داخلي الأمواج ويخفق رأسي من تشوشه، حينها أحسب موجات الراديو المشوشة أكثر انتظاما منه، وأرى خطوط التلفاز المتقطعة إثر إنقطاع البث مناسبة للمشاهدة أكثر.
الليلة ككل ليلة، أطرح أسئلة بلا أجوبة وأفكر بذات الأشياء دون نتيجة، الليلة اختلفت فقط حيث قررت التدوين أنغامي الشرقية التي قاطعتها أفكاري. هذا الكون بفراغه المحيط احتوى كوكبا يدور حول شمس، وقد احتوى بحارا فاصلة لقارات احتوت بلدانا، قد احتوت احداها بيتا ذو شرفة امتدت عن غرفة صغيرة، العالم خارج تلك الغرفة يرهقني وما عدت أريد منها سوى سريري هذا للأغراض المتنوعة. موسيقى الجاز التي قاسمتني نصف عمري ودخان السجائر الذي احتل خمسة أعوام وقبلاتك التي خضبت شفتاي لأربعة أشهر وعدة أيام جميعهم رفاق الليلة وأنيس الفراق، الليلة سألت رسامي أن يزيد لوحتي برفيق جديد كي يختم عنقي بقبلة ويمسك بيداي. رسامي لا يعرف الطرق ولا القدر، ولم يمنحني الليلة سوى صفقة لأيام تتضمن حبيب ونوم هادئ وبضع رسائل تؤانس وحدتي، كموسيقى جديدة تدخل لقائمتي منذ هجرتها. حبيب جديد يأخذ الضوء عنك من مسرحي ويسرد الحكايات التي ليتها والله كانت عنك. وددت لو ناقشني في رائحة عطرك أو مذاق شفتيك، أو يضم يدي بيداه كي أروي له حلما كنت فيه الفارس الذي يرتدي القميص والبنطال ونظارة ذات إطار عسلي ويبعث الأوامر بجدية وهو ينظر إلي نظرة فتى صغير. صفقة مؤقتة لعلاج التفكير المزمن وتقليل معدل استهلاك السجائر، لا عائد منها على كلانا، ولا أعرف إن كان اتمامها يُشفي أم يضر، لو أنني أمضي الليلة سيرا في خطوط يديك ما كنت خلقت الأسئلة. ليل الوحيدين أثقل من وحل الليال الممطرة، وانتظار المحبين أصعب من ذبح الماشية، وهذه الأفكار يمكنها السير داخل رأسي وسكنى ما شاءت منها أو حتى مبادلتها مع أقرانها وبيعها بمزاد كل ليلة. صوت ساعة الحائط يجعلها أشبه بخلية نحل معلقة جوار سريري ومحاولة إيقاف طنينها ستقطع حبال أفكاري الممتدة حتى الصين، أفكار أشبه بسفينة بلا ربان، تبعثرني من الشرق إلى الغرب وكأني لا أملك من عقلي شيئا وهي تراقبه بدقة لتحد من محاولاتي وتتأكد من أوصادي التي ألصقتني بالسرير وركزت عيناي على سقف غرفتي الذي يزيد الأمر سوءا. الأمر أشبه بانشطار قنبلة نووية تهدم كل ما بداخلي وتترك رمادا للصباح وبعض أوراق الشجر، ومحاولة تغيير هذا الوضع تصبح كل ليلة أكثر استحالة. أسلم عقلي الآن في هدوء وأترك لها إختيار من أي باب تنطلق، علك اليوم تصبح حديث أفكاري وتمتد هي حتى سريرك، لو أنك هنا الآن ما كنت وجدت أسئلة!
0 notes
Text
لحظات ما بعد الخسارة
عادة ما تكتب القصائد والروايات تمجيداً في كل ما هو ورديٍ أو كاد؛ تتناول الحب والهجر والنسيان، لكن أن يأتيك أحدهم كدرويش ليضمد جرحك أو يسكب عليه خمراً حين تتجرع كأس الخسارة هو أمر ليس بدارج. اليوم آتيك من قلب الخسارة التي استشعرت بعدها أن ظهري انقسم، نظرت للمرآة حينها لأتيقن، إذ كاد الألم يبرحني أرضاً وكأن أحد فتوات درب سعادة قد هشم عظامي بعصاه العاجية المطعمة بالفضة ومنقوشة بأحرفٍ عربية من ماء الذهب، آتيك لأشاركك ما يشبه الخسارة، لحظة أن تلطمك الدنيا بفردة قفازها أدباً لعدم إحترام درسها السابق، لحظة اليقين بأن كل مجهوداتك السابقة أرخص من رماد السيجارة. عن لحظات الخسارة أو ما يشبهها .. إنها لحظات أشبه بآخر أنفاسك التي تلفظها تحت الماء، حين تبدأ جرعات الماء بالسير عبر حنجرتك، فتختنق، إنها لحظات الخسارة التي تجعلك ثقيلاً كجوال رمل تود لو رفعك أحدهم إلى صحراء لتستأنس بحبات الرمال الأخرى أو يثقبك لتخر بما بداخلك. لحظة إدراكك أن جيشك الأخير هو سريرك وقطتك، جيشك ما عاد صديق أو حبيب، لم يعد حضن أمك كذلك. ميقات أن يتخلى عنك كل شئ ويصير أزيز الهواء أنيس الليلة، لا سجائر ولا ماء حيث تركتك آخر نقاط الصنبور وحيداً بلا خرير. الجدران باهتة والأركان ممتلئة بالغبار وضوء الشمس يخترق ثقوب ستائرك بعنف مستدعياً أملاً مختبئاً داخلك، تظن أن أحدهم مادا يداه ��ليك لتعبرا إلى أرض الأمان، ولكن اليد الممتدة الآن سوداء وقد أتاك صاحبها زاحفا في إنتصار يمتص منك كل ليلة ضحكة، والآن صرت بلا ضحك. تتشبث الليلة بخسارة الأمس حتى تصير سلسلة تحيط بذراعيك، تأخذك قهراً لخانة الذكريات حيث كل مفتقد وتود لو يأت الأحباء ليربتوا كتفك مواساةً لفراقهم، لكن تكتشف أنه لا يد سوى يدك التي تحيطك. قد رحل الصديق، ابتعد، رغماً عنكما صارت المسافة بينكما هي ما بين السماء والأرض، صار الفاصل الآن أقوى من أن تكسره المراسلة أو المكالمات الهاتفية. الألم يلتهمك، ينهش رئتيك أسرع من دخان السجائر. ما أسرع الفقد في هذا الزمن وما أصعبه. يا صاحبي حل الآن أنت المسألة، على الأقل مد يدك من السماء السابعة، خذني حيث أنت أو الق بي جوارك تحت الرمال. في تلك الليال المظلمة أود أن ألعن اللحد لولا أن أركانه تضمك وتنام الآن في حماها. أطوف الآن بحثاً عنك وسط الظلام، يبتلعني، يلق بي حيث اللاشئ، لم يبق منك سوى موسيقاك، وكلماتك، وبضع الأحاديث التي تحمل شكواي من أي وكل شئ حيث تنتهي بمواساتك ووعدك بجلسة طيبة. الآن من سيجالس الهموم يا رفيق ويزيل هذا السواد بضحكة! من سيحتضن الآلام والأفراح بشجاعة كما تفعل!حقيقة راسلتك كثيرا بأسئلة صارت بلا أجوبة، علامات المراسلة لم تعد تنبض كما كانت، وعداد إختفائك يزداد كل يوم .. 11 .. 12 .. 13 .. أسبوعان .. ثلاثة .. هزلي! رأيت جنازة فمشيت خلف النعش، رأيت الأيام والذكريات كشرائط الأفلام تمر دون انتظار، كحد سيف يقطع الأوردة فتسيل ألحانك على المقاهي والحانات وشارع منزلك كخلفية حزينة. صدري لم يسع ألمي، وكفوفي لم تسع دمعي، وملابسي السوداء لم تكفني، والآن أجالس الأصدقاء في إنتظارك. اليوم مثل الأمس وما تبقى منك شيئاً يحرك المياة الراكدة، لم أقتصد منك للأيام المُرة، تملك الأسرار الآن معك في السماء وتكبدك من حملها ما كبدتك من ثقل كان يجعل أنفاسك ثقيلة كغريق بلا طوق، ترسم الأحلام الآن في مخدعك والكفن كدواة يقطر الحبر على أطرافها وظلام القبر لوحة تمتلئ. من آخر الخسارات آتيكم حيث لا شئ كما سبق، لا شمس ولا قمر ولا يجدي الندم. من آخر الخسارات أنبئكم أنه لا مفر، الفراق آت كسوط جلاد لا يُحتمل. عداد الخسارة لا يكف عن الأمل والخوف لا يكف عن العبث، جدران تنهدم وسهام تنطلق نحو دروع تترامى، والنحيب لا يحد من الألم. من قلب الخسارات العظيمة أعدكم أن أترك المدخل بلا أبواب تحصنها وأترك القلاع بلا حرس.
1 note
·
View note