كانت حكت لي مرة واحنا وبنحكي عن شغلة كتير تقيلة بس هي بطريقتا بتخلي عادي الواحد يحكي فيها إنها ولا عمرها بحياتا ممكن تدخل شراكة بشغل أو غيره أو توثق بحدا بشي كبير غير لو كان من دمها
سألتا يومها بس في عائلات بيكون القريب فيهن اوطى واوسخ من الغريب! حكتلي لك لينا شو ما كان بيضل من دمك
لو باعك لو نصب عليكي لو خسرك
فداه كل شي مو من دمي؟ بموت منشانه وما بحكي آخ
مو أحسن من إنك تنباعي من الغريب؟
بكل علاقتي بسارة اللي قربت على السنة ما خطر لي إنها واثقة فيني
ما قصدي على الثقة العادية بين الأصحاب
الثقة اللي بتخلي الواحد يموت منشان التاني وما يحكي آخ
ما كنت متوقعتا منها بالذات إنها حدا كتير حريص وقلقان على حدوده ومساحته وغراضه وعالمه الخاص وبتعطي إيحاء إنه مو بسهولة بيقدر الواحد يكسبا
لما عرفت إنه سارة حطت فيني هي الثقة ما كانت موجودة لأسألا ليش أنا بالتحديد؟ شو اللي خلاكي توثقي فيني بعد ما حكيتي انك ما بتقدري تسلمي شي كبير متل هيك غير للي من لحمك ودمك؟
وبقدر خمن جواب كان رح يطلع منها وبيشرح بعض الأسباب اللي بتخصني بس كنت رح ضل متفاجئة
متفاجئة من طيبتا وشروطا البسيطة والأسباب الصغيرة اللي لو تواجدت بالعالم بيدخلوا قلبا وبتسلمن كل شي بسهولة
وبسأل حالي هاي البنت شو شافت بحياتا؟ معقول كتير تعذبت وتعاملت مع ناس نفسا دنيء يخليها تحس إنه الناس الطيبة السوية متل شي إبرة بكومة قش وتقتحلن قلبا بسهولة اول ما تلاقيهن وتتأكد منن؟
في حكاية سارة حكتلي ياها لتوصيني من خلالها ضمنيا انه ما اتهرب من مشاعري وما انكر الموت
ما بيحقلي احكيها هون لهيك ما رح احكيها يا عيوني
انا بس جايي نفذ توصايتك علي واواجه اللي بهرب منه
أنا يا سارة مش فاهمة ليش صار هيك سامحيني والله بس عنجد مش فاهمة وما عم القى شي منطقي واحد بكل اللي صار
مش فاهمة لا المفاجئات اللي بتصير بسبب المرض واللي لازم نتوقعها ولا التوقيت ولا السبب ولا أيا شي
مش فاهمة ليش لما ارجع عيد كل شي براسي ما بلاقي ولا مخرج واحد كان ممكن امنع في اللي صار ومع هيك عم بلوم حالي يوميا
مش فاهمة ليش العملية اللي حكيتي عنها ابسط وحدة تعمل هيك فيكي
مش فاهمة الاقدار ولا فاهمة إنك احتمال كنتي تروحي بلا ما تشوفي وتودعي أغلى حدا بحياتك
مش فاهمة ليش لسا عم أقرأ عن المرض وعن العملية وعن السبب وعن العلاجات الجديدة اللي بتضل أهون من ال chemotherapy ومش فاهمة عنجد شو فايدتهن وشو فايدة الطب وشو فايدة أيا شي إذا حدا متلك بهاد الوعي وهاد النضج وهاد الحب للحياة بيروح برمشة عين بسبب سبب سخيف كتير
أنا مش فاهمة شو يعني اتوقع انه هيك يوم كان رح يجي؟ ليش اتوقع مش فاهمة مين بيتوقع هيك شي؟ ليش بنوتة صغيرة بعمرك بين ايديها بيبي اتوقع انها رح تروح بكير؟
مش فاهمة ليش كل هاد العالم اللي ما بيسوي شي باقي وانتي وحدك تتوجعي وتتعذبي وتروحي؟ ليش ما هن كلن راحوا وانتي بقيتي؟
مش فاهمة انا مع اني سألت الحكيم كتير بتعرفي؟ ليوم السبت وأنا ضليت روح على المستشفى وفتشت عليه ودخلت مسكت إيدك وكانت تجي تقولي انه هلق فاضي وعم يستناني وادخل عليه وأنا قلبي رح يطلع من صدري وأترجاه يفهمني ليش هيك صار بالتفصيل
ليش ما حدا منن قدر يعمل شي؟ اسأله شو فايدتك انت قلي؟ لشو كل هي الشهادات اذا ما بتقدر تمنع بنت عمرا ٢٦ سنة انها ما تموت من شي بسيط متل هيك؟
يا حبيبتي انا والله ماني غبية ولو كنت هيك لغلاوتك عندي كنت رح فتح كل عقلي وحاول أفهم بس مش فاهمة
بوعدك إني ما عم اتهرب ولا عم أنكر
عم خبي عيني على المأساة وعم حس فيكي وعم شما لريحتك وعم يوصلني كل العلامات منك
قبل يوم العملية بالليل كانت واضحة ملامح المرض على سارة
لما دخلت بوابة المستشفى وشافتني رمت مفتاح السيارة وكرت ال parking وحكتلي خليتها برا مش قادرة انزلي صفيها
من جواتي كنت مصدومة ولا عمرها أمنت سيارتا لحدا سألتا تعبانة كتير؟ ما جاوبتني مسكتها من إيدها ووصلتا على الغرفة ونزلت على الكافتيريا جبت كل شي ممكن انها تحبه ووصلتن حكتلي لا تعملي شي مجنون كانت تقصد اني ممكن اطلع سوق بالسيارة وضحكت فاتطمنت وقلت لا تخافي واعطيتها بوسة على جبينها
بعد ما نزلت صفيتها طلعت سيجارة ودخنت وصارت السيجارة سيجارتين قام لاقيتا رجعت نزلت قلتلا ول لهاي الدرجة ما بتوثقي فيني؟ حكتلي والله لينا انتي مدمنة دخان روحي اتعالجي
حكينا شوي بعدين طلعنا بالمصعد حكيتلها حاطة عطر؟ في ريحة حلوة عبت كل المصعد حكتلي اجاني من الشام قربي شميها
ما كنت بعرف إنها من آخر المرات اللي رح شم فيها ريحتها
اليوم لاقيت تيشيرت ل 21 pilots بالصدفة كنت بسمع car radio وعم فكر فيها
كنا بنحبن كتير وبنسمع أغانيهن سوا وطلعنا شي يوم جبنا واحد النا وصرنا نلبسه مع بعض
قوليلي راحوا فين؟ وأشكي الفراق لمين؟ وأروح لمين؟ إيه اللي باقي من بعد اللي راح غير الجراح؟
أنده عليك يا حبيبي ولا أنتَ داري بي في بعدك
لا أدري حقًا ما الذي يدفعني إلى الاستماع لهذه الأغنية بشكل متواصل منذ البارحة، كم كان قوي صوت هذه المرأة التي غنتها وكم كان إحساسها وحزنها أقوى من صوتها! كم هي ضعيفة الأم أمام فقدان ولدها.
هل يمكن لأحد أن يدرك شعور الأم الثكلى إلا لو كان مكانها؟ أن تحمل طفلًا/حبًّا تسعة شهور، أن ترقب كل لحظة في نموه، أن تنتظر طويلًا حتى تأتيك أولى آلام المخاض. كل ما مررت خلاله في التسعة أشهر الماضية كان حقيقيًا وها أنت ذا على وشك إدراك أقصى لحظات الألم/السعادة. ويأتي، تراه أمامك كائنًا صغيرًا جميلًا محتاجًا، تمسكه بين يديك وترضعه سيلًا من العاطفة فتدرك في تلك اللحظة أنه مصيرك الحتميّ وبداية مشوارك الطويل من المتعة المتعبة الغالية. يومًا وراء يوم تراه يكبر ومعه يكبر تعبك/فرحك. ياه! ها هو مشروعك الأجمل يثمر ويشرق شمسًا إلهًا في حياتك ثم.. ولا تدري لم وكيف وبأي حق ومن أين تأتيك هذه اللعنة الخنجر الشر لتقطف ثمرتك وتعلن موت قلبك وتتركك وحدك.
لا أعلم إن كنت أحتاج الكثير من الصبر والنضال لأنجو، ككل من في العالم أنا امرأة ولي أحلامي، أعيش في زمن صعب ومن بلاد قاسية على أبناءها، ورغم سنواتي الخمس والعشرين فقد أدركت لحظة الانكسار هذه.. انكسار الأم الثكلى، لم أفقد ابنتي ولكنني شعرت بهنّ واحدة واحدة.
لم أكون في مقتبل تجربتي/الحياة/الأمومة وأصارع كل تلك المخاوف؟ ألا يكفي الحبّ والعمل والدراسة والاستقرار والعائلة.. ألم أكن أستحق أن أعيش أمومتي دون هذا الحزن والخوف؟ مع مرور الوقت، ورغم تقلّبي بين الحين والآخر، كلما اشتدت غربتي واختفى الوطن أدرك أنني لن أساوم على ابنتي أبدًا.
كتير بحس إنه عشقي للموسيقى إله علاقة بأبي، هو اللي صوته حلو وبيعزف على العود والدرامز لعشرين سنة.. ولما جيت على الحياة كان بيهللي لأنام، ما كانت هي التهاليل اختيار مناسب لأنام كانت حافز لفيق واستمتع بصوت بابا.
لما كبرت شوي كنت بسمع لكاسيت فيه شوية أغاني بصوته ومنها "يا عيون بابا". بابا ما كان بيغني ويعزف بحفلات عامة، بس لسهراتنا العائلية ومع الرفقات الحصة الأكبر من صوته الحنون.
هالليلة حلمت حلم حلو.. بابا كان بيجهز لحفله الموسيقي الأول وأنا كنت بساعده باختيار الأغاني والموسيقيين ومكان الحفل والدعوات. لما فقت تذكرت تفاصيل الحلم ودقيت لأمي خبرها.. إمي اللي وصل فيها المرض لأنها تنساني إلي أحيانًا، ضحكت كتير وقالت: "يمكن هالحلم الحلو مشان يوم ٢٣/٢ بكون مرّ على نجاح عمليته ٤ سنين."
ملاحظة: عملية بابا كانت لإستئصال ورم سرطاني بالرئة، وما تمت بنجاح.. وغاب عنّا بعد ٤ سنين.
سكّرت معها المكالمة وأنا متأكدة إنه ببالها العملية نجحت وهو بصحة منيحة وعايش.. وهيك بلشت يومي.
هذا اعتراف بأن اليوم قد انقلب عليّ الآن منذ بدايته، بأن الدائرة تضيق تضيق، بأنني لا أنام إلا لمدة تتراوح ما بين ساعتين إلى أربع ساعات فقط، هو انغلاق لا إرادي لعيوني المنهكة، وبأن باقي الساعات يقتلها الخدر والانتظار والدموع.
كل هذا يمتص روحي عدا بضع مكالمات هاتفية وأحاديث قصيرة ومظاهرات أهتف فيها وأحضان أسترقها.
لأتذكر بأنني حيّة، بأنني قابلة على الانحناء ربما لكنني مستعصية على الكسر.
ليلة مبارح قبل الدراما والأرق، أول ما وصلت وبعد ما حطيت شنطي بالفندق، نزلت أسلم على الصديقة الحلوة اللي وصلتنا وقلّها إني تعبانة كتير ولازم نأجل طلعتنا على مقهى "ة مربوطة" لبكرة، هاد المقهى هو المكان اللي لازم أمرق وأقعد فيه كل مرة بنزل فيها على بيروت، ما علينا الأيام جاية ف رح أحكي عنه بعدين. المهم، هالصديقة حضنتني، كانت هديك اللحظة اللي استوعبت فيها إني ببيروت وبكيت كتير ومن بعدها أصلًا ما وقفت بكا طول الليلة 😃، شاورت على شخص قدامها وقالت: "شوفي مين وراكي"، بهالأثناء كان في إيد حنونة بتطبطب على كتفي.. التفتت ولا هي نادين.. كان هاد لقائنا الحقيقي الأول.
نادين، بنت سورية، بشار الأسد قتل والدتها، ووالدها مغيٌب في سجونه لأكتر من ١٠ سنين بلا ما تعرف عنه شي. بعرفها من أيام الثورة، بالتحديد يوم ١٤ نوفمبر ٢٠١٣، بس ولا مرة للأسف صحلنا نلتقي.
الصديقة في أثناء هاللحظات قالتلنا: أنا حاسة إني بالشام، ما بعرف كيف يعني بحسّوا لما يكونوا بالشام، بس لهجتكم السورية ووجودكم كفاية إنها تاخدني هناك.
كتير أشياء صارت من يوم ١٤ نوفمبر ٢٠١٣، وبيوت كتير بدلتها وتركتها ولقيتها وبنيتها، لكن أشياء كتير بقيت على ما هي، منها: حساسيتي المفرطة والدراما اللي اتعلمت كيف أتقبلها وأحبها، بيروت اللي بتعاملني بحنيّة وبتحول الغربة لبيت وعبطة جماعية، واللي بيعملوه رفقاتي بقلبي.
كنت عم صور بشكل عشوائي الصبح -شكلي وأنا عم صور طول الوقت بيكون أهبل وكل العالم بتفكرني أول مرة بجي هون بس ما رح أبطل برضو هه- قام عمتو تحكيلي "دخيلهن هالديّات الحلوين" هلأ مين اللي عم بتبتسم من أول النهار ع هالجملة؟ :)
لما رجعت على عمّان بعد الجامعة كنت قررت أحبّ عمّان أكتر، ببساطتها ودفاها، وأتمسك بحقي بهاد الوطن اللي كبرت فيه وصارت ريحته جزء أساسي من ذاكرتي، قضيت سنوات طويلة من حياتي بتلحف بعلم الثورة السورية، بسبب البرد أولًا ولأنني بنتها للثورة. شي يوم نزلت من الباص، وقفت عند الإشارة بستنى أقطع الشارع، وبعدين بيمرق شرطي من جنبي ورغم البرد بيفتح شباك السيارة وسب على سوريا أوسخ المسبات وكمّل طريقه.. ما قدرت وقتها احكيله إلا: "أختك لحالك يا ابن الكلب" برغم إني كنت وقتها معدومة الجنسية ومصيري بهالبلد مو معروف، وبعدين لما بعّد دخلت بصدمتي.
مرات كنت بمشي بين جدران عمّان والقلعة ووسط البلد وبفكر قديش هالبلد دافية، ما بتنفس شي إلا ريحتها الحلوة، بمارس حبّي إلها من قريب، بفكر بأحلام الناس، وفجأة كان بيصير هيك موقف بيخليني حاسة قديشني مقطوعة من شجرة، قديش حاسة بالغربة.. وقفت شوي وحسيت إني بدي أبكي أو أصرخ أو ألحق بالسيارة لأكسر راسه، بس اخترت إني أتلحف بعلمي منيح وأحبّ الأردن أكتر.. وأكمل طريقي.
كل مرة بحس بالكره والحبّ بنفس الوقت للأردن بتأكد إنه هالبلد وطني، كيف لما تكوني قريبة كتير من شخص لتعترفي بعيوبه وتتقبليها وتعيشي معها.. وتحبّيه وتكرهيه.. هيك علاقتي بالأردن. الأردن وطن ما بتعرفوه، وما رح تعرفوه بانتمائكم الزائف لأرضه، الأردن بتعرفني أكتر منكم لأني ما حبيتها مشانكم ولا مشان قائدها ولا بتغنّى بأغانيها الوطنية اللي ما بتشبهها، عمّان لما حبيتها طلعت لجبالها السبعة ووقفت عند حافة كل جبل وقررت أسمع صوتها، سمحتلها تحكي، صوتها ما كان بينبض فيكم.. كان بينبض بأصوات البياعين وعمال النظافة وشوفارية التاكسي وأصحاب المقاهي القديمة والمطاعم اللي بحبّها وزوارها وريحة الخبز، كان بينبض بجهد طالب بده يتخرج بسرعة من الجامعة ليساعد أبوه وشرطي سير بيجرّ سيارة تعطلت بنص الطريق بالشتا ودكتور بخاف على مريضه وموظف ستيني بيحمل أكياس من السوق راجع ع أولاده، بينبض بعيلة فقيرة ما بيدفيها إلا الحبّ ونساء بيحملوا خضار على راسهن ليبيعوها ع الرصيف وأطفال بيتسلقوا الشجر ليلمسوا السما.
الأردن كانت بتنبض بضحكتي أنا وأخواتي، نحنا اللي اخترنا عمّان لتملّي كل شي كان ناقصنا، ما رح يخلوني أكره بلادي، وما رح يقتلوني لأني سورية، رح أعيش هون وهنيك وهنيك وببلادي كلّها. هاد الشرطي لسنين عم يذكرني شو حكيت بنص الشارع: أنا بنت عمّانية جاية من دمشق. ولساتني هالبنت.
16 notes ·
View notes
Statistics
We looked inside some of the posts by
1sokun
and here's what we found interesting.
Average Info
Notes Per Post
171
Likes Per Post
139
Reblog Per Post
25
Reply Per Post
7
Time Between Posts
32 minutes
Number of Posts By Type
Text
17
Explore Tagged Posts
Fun Fact
Mobile US users spent an average of 115.8 minutes on Tumblr app monthly.